الرئيسية / الآراء والمقالات / د. مونتجمري حور يكتب : زيلنسكي تغلب يهوديته على أوكرانيته وحداثته

د. مونتجمري حور يكتب : زيلنسكي تغلب يهوديته على أوكرانيته وحداثته

مونتجمري حور

زيلنسكي تغلب يهوديته على أوكرانيته وحداثته
كتب: د. مونتجمري حور
يحتل الخطاب السياسي لرؤساء الجمهوريات وغيرهم من الزعماء حول العالم مكانةً مهمة في البحث السياسي المعاصر، وترد هذه الأهمية إلى مركزية الطرح السياسي الذي يقدمه زعيم ما في أي بلد من البلاد، بغض النظر عن نظامها السياسي سواء كان شمولياً أو سلطوياً أو ديمقراطياً ويسهم تحليل الخطاب في الكشف عن رؤية وسياسة ومآرب مرسله. وعليه، يلقي هذا المقال الضوء على ملاحظات مباشرة للغة الخطاب السياسي للرئيس الأوكراني بهدف تحديد وفهم طبيعة المكاسب التي تسعى تل أبيب لتحقيقها مما يعيننا كفلسطينيين على قراءة المرحلة القادمة علينا بدقة.
بادئ ذي بدء، أجد ضرورةً لسرد بضعة أحداث رئيسة مهمة لضمان تسلسل القضية التي نحن بصدد تناولها. على نحو استثنائي غادر بينيت إسرائيل “بشكل سري”، خلال عطلة السبت المقدسة لدى اليهود، على متن طائرة خاصة عادة ما يستخدمها الموساد الإسرائيلي، متوجهاً إلى موسكو والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. حضر اللقاء وزير الإسكان والبناء الإسرائيلي زئيف ألكين وهو من أصل أوكراني ليساعد في ترجمة الحوار بينه وبين بوتين، وناقش الاثنان الأزمة الروسية-الأوكرانية، بالإضافة إلى قضايا أخرى مهمة لإسرائيل أثارها بينيت في حديثه، منها إزالة العقبات أمام اليهود الروس لتشجيعهم على الهجرة إلى إسرائيل، وإعاقة روسيا لتوقيع الاتفاق الغربي-الإيراني المرتقب حول برنامج ايران النووي وهذا ما حدث بالفعل بعد أيام قليلة من اللقاء. تلى ذلك لقاء مهم جمع بينيت مع زيلنسكي حثّ خلاله بينيت زيلينسكي على قبول الشروط الروسية لوقف الحرب، قائلاً له “لو كنت مكانك لقبلت بالشروط الروسية وحجبت الموت عن شعبي”، بحسب تسريبات اللقاء، اعتبر الرئيس الأوكراني كلمات بينيت على أنها دعوة للأوكرانيين للاستسلام، وعبّر عن استيائه لحظتها من دور بينيت واصفاً إياه كناقل للمعلومات بين الطرفين وأنه لا يتخذ موقفاً واضحاً وقوياً لدعم أوكرانيا، وأن أوكرانيا لا ينقصها ناقلي بريد لإيصال وجلب المعلومات. تجدر الإشارة إلى خروج مسئولين رفيعي المستوى أحدهما إسرائيلي والآخر أوكراني للحديث للإعلام عن عدم صحة هذه التسريبات، وأن كييف في المقابل تثني على الدور الإسرائيلي في الوساطة.
 
الملاحظات المباشرة في خطابات رئيس أوكرانيا
أولا، توظيف رئيس أوكرانيا للخطاب الديني:
من أبرز النقاط التي يتوجب علينا الالتفات لها هي توظيف رئيس أوكرانيا للخطاب الديني في معالجة أزمة بلاده مع روسيا، مستخدماً فيه نظاماً من الأفكار والآراء التي يعلم مدى سيطرتها على العقلية اليهودية. لقد امتاز خطاب زيلنيسكي السياسي بخصائص أيدولوجية معينة انطلق منها في خطابه وحاول من خلال هذه الأيدولوجية استمالة المتلقين من الفئة المستهدفة وهم اليهود تجاه معتقدات دينية وسياسية جامعة، وتكرر مخاطبته لهم مراراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي مستخدماً اللغة العبرية لدغدغة مشاعرهم، وطالبهم بإعلاء الصوت والتنديد بالغزو الروسي لبلاده. لا يختلف اثنان على استخدام زيلينسكي يهوديته كأداة إضافية لحشد الدعم الدولي لبلاده منذ البداية، وبعد هجوم صاروخي استهدف موقعاً بالقرب من بابي يار وهو أحد المعالم اليهودية في أوكرانيا، عاد من جديد ليخاطب اليهود منوهاً إلى أن لديه عائلة في إسرائيل.
 
ثانياً: طلب رئيس أوكرانيا وساطة إسرائيل:
طلب رئيس أوكرانيا وساطة تل أبيب بين بلاده وروسيا واقترح أن تشهد مدينة القدس محادثات سلام بين البلدين، وأعاد الكرّة ثانيةً ليؤكد أن بإمكان إسرائيل توفير “ضمانات أمنية”، وهذا له دلالات كبيرة ستأتي لاحقاً.
 
ثالثاً، إيجاد نقاط التقاء مع إسرائيل أثناء المفاوضات:
بالإضافة إلى الدين اليهودي الذي استخدمه زيلينسكي، سعى كبير المفاوضين الأوكرانيين ميخايلو بودولاك ، المستشار الأقرب للرئيس الأوكراني، لإيجاد نقاط التقاء لاستمالة الوسطاء الإسرائيليين أثناء المحادثات والنقاشات، ومنها على سبيل المثال تشبيه روسيا بحركة حماس بقوله “إن روسيا شأنها شأن حركة حماس مع فارق التشبيه الهائل في القوة العسكرية بينهما”. وأردف بالقول ” روسيا لا تبيع شيئاً للعالم؛ لا التكنولوجيا، ولا منتجات جديدة، ولا تبيع أي شيء يساهم في تطوير الحضارة الإنسانية”. لا يعني لنا هذ التشبيه لي شيء فجميع الاستنتاجات الناجمة عنه ستحتل مكانةً ثانوية، بقدر ما تنصب أعيننا على التحذير الذي أطلقه ميخايلو بودولاك لإسرائيل. والسؤال الذي نطرحه هنا: هل قصد بودولاك تحذير تل أبيب من تبعات تحالف مخفي لها عقدته مع موسكو؟
 
تعامله مع خذلان تل أبيب للقضية الأوكرانية:
لو سلمنا للتسريبات التي أكدت أن نفتالي بينيت خذل أوكرانيا حين طلب من زيلينسكي القبول بالشروط الروسية، فلا نستطيع إلا أن نقر بأن زيلينسكي، في المقابل، غلبت يهوديته على أوكرانيته وحداثته مجتمعتان في ردات فعله على حالة الخذلان هذه. لقد آثر زيلينسكي المصلحة اليهودية العليا، ولا أقول الإسرائيلية فقط، على سائر الاعتبارات الأخرى ولو كانت على حساب أوكرانيا بتقديمها تنازلات أشبه ما ستكون بتضحيات لرفعة دولة إسرائيل ولعلو شأن اليهود.
 
رابعا: النبرة الانفعالية في حديث زيلينسكي
كثيرة هي الضغوطات الحالية التي يمر بها الرئيس الأوكراني كون بلاده تمر في حالة حرب، لكن إذا وضعنا اللغة والمصطلحات التي استخدمها تحت المجهر واستبعدنا كل المؤثرات الخارجية الأخرى، سنرى بوضوح تناقضاً غريباً وملفتاً للانتباه. لننتبه أن الاعتقاد الدولي السائد بين مختلف أنظمة الحكم يشدد على ضرورة اتساع المسافة بين الدين والدولة، بل ويروّج إلى أن الدولة المعاصرة ليست دولة دينية، بل هي دولة مدنية حديثة وعادلة لها مواصفات غير قابلة للخلط بالأفكار الدينية، ولكن زيلينسكي جاء ببدعة لم يسبقه أحد بمثلها قبله تتمثل في استخدامه المفرط للدين اليهودي ومحاولته الخروج بإدانة يهودية موحدة تجاه ما يدور، والسؤال الذي أطرحه هنا: هل يفتقر زيلينسكي إلى تلك الحداثة الغربية في فصل الدين عن الدولة، أم أن بلاده لا تواكب التطور وفق المفهوم الغربي للدين؟! لقد وقع زيلينسكي كأسير لنبرة انفعالية لأنه يسوّق نفسه على أنه بطل يهودي بغض النظر عن جنسيته وحداثة دولته من عدمها، وهذا يدلل على أن هناك إنجازات يهودية للدولة العبرية في إسرائيل يساهم زيلينسكي في تحقيقها في إسرائيل ولا يستطيع التحكم في قوة صبره وانفعالاته في المرحلة الحالية. إن تثبيت زيلينسكي المتكرر ليهوديته تدلل على سعيه دخول التاريخ اليهودي من أوسع أبوابه ليس كرئيس دولة فقط، بل كيهودي مخلص للدولة اليهودية الإسرائيلية.
 
montgomeryhowwar@gmail.com

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

كاتب ومحلل سياسي 

دكتوراة في القانون العام جامعة محمد الخامس المغرب 
محاضر في جامعة الأزهر - فلسطين

إبراد إبراهيم ابراش يكتب : الانتصار الذي تسعى له حركة حماس

الكاتب إبراهيم ابراش الانتصار الذي تسعى له حركة حماس بعد أن ساعدت حركة حماس إسرائيل، …