الرئيسية / الآراء والمقالات / د. مونتجمري حور يكتب : الثمن الباهظ الذي سندفعه كفلسطينيين جراء الحرب الروسية-الأوكرانية

د. مونتجمري حور يكتب : الثمن الباهظ الذي سندفعه كفلسطينيين جراء الحرب الروسية-الأوكرانية

مونتجمري حور
الثمن الباهظ الذي سندفعه كفلسطينيين جراء الحرب الروسية-الأوكرانية
د. مونتجمري حور
سبق وأن رصدت تغيراً جذرياً طرأ على السياسة الخارجية الإسرائيلية فلم تعد السياسة الإسرائيلية حرباً ووعيداً وتهديداً أو انتهاكاً لحقوق الإنسان، بل وسيلة لحل المشكلات والأزمات التي تتعرض لها إسرائيل، ولا شك أن ذلك كله يتم بطريقة ذكية بل إبداعية بعيداً عن الضجة الإعلامية المطلقة. يرصد هذا المقال أبرز المكاسب التي ستحققها إسرائيل من الحرب الروسية-الأوكرانية نظير ثمن باهظ سندفعه نحن الفلسطينيون، ويبحث في خبايا قضايا معظما لم يطرح في وسائل الإعلام.
 
تقض مضاجع الساسة الإسرائيليين قضية مهمة في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وهي قضية التفوق الديمغرافي، وسبق وأن نوهت إلى تهمة دولية قادمة تنتظر إسرائيل أن التفوق الديمغرافي القادم لصالح الفلسطينيين سيظهرها على أنها أقلية إسرائيلية تتحكم في أغلبية فلسطينية. يمكنني تبني فرضية مفادها أن إسرائيل ترغب جدياً في الوصول إلى أي حل سياسي ليخرجها من مأزقها هذا ولكن ما يعيب سعيها هذا أن كل ما تطرحه علينا كفلسطينيين، في الخفاء والعلن، هي حلول بمقاييس إسرائيلية. عملياً، غادرت إسرائيل مربع المفاوضات ولم تعد تنتظر حلولاً سياسية فورية مع الجانب الفلسطيني، وعوضاً عن ذلك اتخذت خطوات فردية ترسم على أرض الواقع ما تقتضيه المصلحة الإسرائيلية البحتة بمنتهى التعنت، وبنت مستوطنات وهدمت بيوت فلسطينية وسعت لإجلاء كثير من أهلنا من بيوتهم، خاصة أهلنا في حي الشيخ جراح في مدينة القدس الخ.. ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد اتخذت إسرائيل عدة خطوات لم تتناول معظمها وسائل الإعلام منها إعداد خطة لتشجيع هجرة نصف مليون يهودي للقدوم إلى إسرائيل في الفترة القريبة القادمة، بالإضافة إلى استثمار الأحداث المتسارعة في الحرب الروسية- الأوكرانية ولقاءات الوساطة التي جمعت رئيس الوزراء الإسرائيلي نيفتالي بينيت فلاديمير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، وهي كالتالي:
 
أولا: إعداد خطة لتشجيع هجرة اليهود الى إسرائيل
قبيل الحرب الروسية-الأوكرانية أواخر عام 2021، أعدت إسرائيل خطة عملية لتشجيع هجرة اليهود إلى إسرائيل وجاء الإعلان عنها على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت الذي أوضح أن الخطة تهدف إلى جلب نصف مليون يهودي إلى إسرائيل (500 ألف يهودي) في الفترة القريبة القادمة، وحدد آنذاك الفئة المستهدفة لهذه الخطة وهم اليهود المتواجدون في ثلاث دول هي: الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا الجنوبية وفرنسا. تزامن هذا الإعلان وقتها مع نية إسرائيل بناء مستوطنات في مرتفعات الجولان السورية المحتلة لأن هناك نية لدى نفتالي بينيت رفع أعداد المستوطنين الإسرائيليين في مرتفعات الجولان المحتلة من 27 ألف مستوطن إلى 50 ألف مستوطن على أن تستكمل الإجراءات لاحقاً ليصل عددهم إلى مائة ألف مستوطن، وبدأ العمل لتنفيذ هذه الخطة فعلياً بإشراف وتنسيق مباشرين بين وزارة الخارجية الإسرائيلية ووزارة الهجرة والوكالة اليهودية وبحسب إحصائيات موثقة، بلغت نسبة اليهود المهاجرين إلى إسرائيل 21% عام 2021 مقارنة بالعام 2020، وأفادت تقارير موثقة أن العدد الأكبر منهم جاء من الولايات المتحدة الأمريكية ثم فرنسا ثم أثيوبيا، أي أن العدد الأكبر للمهاجرين اليهود كان من الولايات المتحدة الأمريكية.
 
ثانياً: استغلا الحرب الروسية-الأمريكية الاستغلال الأمثل:
تواصلت الاتصالات بين مكتبي رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت والرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن وصلت النقاشات ضرورة تحرك نفتالي بينيت لزيارة موسكو في زيارة سرية لم يحرك فيها نفتالي بينيت موكباً حكومياً ليوصله إلى المطار، بل قاد سيارته الخاصة إلى المطار حفاظاً على سرية الزيارة التي تسربت لاحقاً لوسائل الإعلام. اجتمع الاثنان لثلاث ساعات متواصلة لمناقشة مواضيع محددة منها الوساطة بين روسيا وأوكرانيا وهذا ليس موضوعي هنا، وقضايا جوهرية أخرى طرحها نيفتالي بينت وهي كالتالي:
 
• جلب 200 ألف يهودي من أوكرانيا وحدها إلى إسرائيل
في خضم تطورات الحرب الروسية-الأوكرانية، ترى إسرائيل أنها أمام فرصة ذهبية لجلب لاجئين يهود أوكرانيين بهدف الحفاظ على السيادة والتفوق الديمغرافي لليهود على السكان الفلسطينيين، وأرصد استنفاراً في وزارة الخارجية الإسرائيلية والوكالة اليهودية لاستغلال الأمر الاستغلال الأمثل بما يضمن نجاح الهدف الرئيس وهو استقدام أكبر عدد ممكن من المهاجرين اليهود. تجدر الإشارة إلى اجتماع أجراه رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في هذا الصدد مع حكومته ومع المكلفين بالإشراف على عملية هجرة اليهود إلى إسرائيل، وأصدر أثناء الاجتماع تعليمات واضحة لهم أن الفئة المستهدفة من المهاجرين هي من اليهود (واليهود فقط)، وقال حرفياً أن دولة إسرائيل خلقت لتكون ملاذاً آمناً لليهود، كما نوّه إلى ضرورة أن يتم إنجاز الهدف دون التسبب في ضجة إعلامية تنتهي بوصف إسرائيل أنها دولة يهودية عنصرية وأن عليهم مراعاة ذلك في التنفيذ.
على أية حال وبحسب إحصائيات رسمية، يبلغ عدد اليهود المنحدرين من أبوين يهوديين في أوكرانيا ثلاثة وأربعين ألف يهودي فقط (43 الف يهودي)، ولكن القانون الإسرائيلي للهجرة الخاص ب” بحق العودة الصادر عام 1950″ يخوّل اليهودي من أب يهودي أو أم يهودية (أحد أبويه يهودي وليس كليهما) من العودة إلى إسرائيل وبذلك يصبح عدد الأوكرانيين الذين يمكنهم الاستفادة من هذا القانون مئتي ألف يهودي (200 ألف يهودي) وهذا عدد يسيل لعاب القادة إسرائيل. وللعلم، تتم هجرة اليهود الأوكرانيين عبر توقيعهم على طلبات رسمية للهجرة وللآن بلغ عدد الموقعين خمسة آلاف يهودي (5000 يهودي) والعدد آخذ في الزيادة. تجدر الإشارة أن ديبلوماسيين إسرائيليين نزلوا للميدان لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين اليهود وقدموا لهم كافة احتياجاتهم ويجري العمل على نقلهم إلى إسرائيل.
• السماح لليهود الروس بالهجرة إلى إسرائيل ورفع كافة العقبات من أمامهم:
لم تقتصر المساعي الإسرائيلية على اليهود الأوكرانيين، بل امتدت لتشمل اليهود الروس أيضاً، وقد تناول نفتالي بينيت قضية تشجيع اليهود الروس للعودة إلى إسرائيل مع الرئيس فلاديمير بوتن وطالبه بألا يشمل القرار الروسي القاضي بمنع سحب العملات الأجنبية من البنوك الروسية، والتي جاءت بتعليمات مباشرة من فلاديمير بوتن، اليهود المتواجدين في روسيا لأن هذا القانون من شأنه أن يعيق سحب اليهود لمدخراتهم وعودتهم إلى إسرائيل. وفي المقابل، توفير ممرات آمنة لنقل اللاجئين الأوكرانيين، من اليهود وغيرهم، لإخراجهم من المدن التي تدور المعارك فيها.
 
• عرقلة البرنامج النووي
تفاصيل جمة تأتي تحت هذا البند منها ما يمس العلاقات الروسية-الإيرانية مساً مباشراً، خصوصاً وأن هناك خلافات بل تعارض مصالح بين الجانبين الروسي والإيراني لست بصدد تناوله الآن، وأكتفي بالإشارة إلى طلب نيفتالي بينيت من بوتين أن تعمل روسيا على عرقلة توقيع الاتفاق النووي المرتقب حول برنامج ايران النووي وأن بوتين في المقابل، أكد لبينيت ضرورة ألا تطال العقوبات الغربية الاقتصاد الروسي مع ايران. كما تجدر الإشارة إلى تحذيرات غربية جاءت على لسان مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية فكتوريا نولاند بأن هناك مساع روسية لإفشال الاتفاق المرتقب مع إيران.
 
 
• ضمان استمرار التنسيق الروسي-الإسرائيلي بشأن سوريا:
 
حيث أكد نيفتالي بينيت على أهمية سماح روسيا لسلاح الجو الإسرائيلي ممارسة عمله بحرية أعلى في الأجواء السورية.
 
للآن يمكننا الزعم أن إسرائيل تنفرد بين دول العالم في قدرتها على الجمع بين المتناقضات السياسية، فنجدها تمد يد عون إنسانية على مرأى الجميع للأوكرانيين وتقف معهم في العلن وانضمت إلى 133 دولة أخرى لإدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا بما يحسن من صورتها ويظهرها كدولة إنسانية، ولكن يبدو أنها ستمد يداً أخرى مخفية إلى روسيا. بالإضافة إلى ذلك، نجحت إسرائيل في تقديم نفسها على أنها قوة عظمى، على الأقل مقارنةً بدول الشرق الأوسط كافة. على أية حال، تزيد مخرجات هذه الحرب من تعقيدات حالة الجمود التي تطال عملية السلام بيننا وبين والإسرائيليين، فهي تأتي مطمئنة للجانب الإسرائيلي أن الخطر الديمغرافي الذي يشكله الكيان الفلسطيني على الكيان الإسرائيلي فوق ثرى الأرض المقدسة يمكن حله أو على الأقل تأجيل دفع فاتورته إلى مرحلة لاحقة. نحن أمام موجة هجرة يهودية جديدة منظمة على غرار نظيراتها السابقة كتلك التي حدثت بعد الثورة البلشفية في روسيا على سبيل المثال لا الحصر.
Montgomeryhowwar@gmail.com

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

كاتب ومحلل سياسي 

دكتوراة في القانون العام جامعة محمد الخامس المغرب 
محاضر في جامعة الأزهر - فلسطين

إبراد إبراهيم ابراش يكتب : الانتصار الذي تسعى له حركة حماس

الكاتب إبراهيم ابراش الانتصار الذي تسعى له حركة حماس بعد أن ساعدت حركة حماس إسرائيل، …