الرئيسية / الآراء والمقالات / علي ابو حبلة يكتب : روسيا وأوكرانيا و الحديث عن “عقيدة مونرو”

علي ابو حبلة يكتب : روسيا وأوكرانيا و الحديث عن “عقيدة مونرو”

رئيس تحرير افاق الفلسطينيه
رئيس تحرير افاق الفلسطينيه

روسيا وأوكرانيا و الحديث عن “عقيدة مونرو” 

المحامي علي ابوحبله 

الحرب الروسية على أوكرانيا حدث هز أمريكا والغرب ، وما نفاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرارا على مدى شهور – بدده الغزو الروسي لأوكرانيا، لتدخل الأزمة بين الجانبين فصلا جديدا ودمويا.

الرئيس الأمريكي جو بايدن قال في خطاب حالة الاتحاد (الثلاثاء) إن الهجوم الروسي على أوكرانيا غير مبرر ولم تسبقه أي استفزازات.

أما بوتين قدم حججا وصفت بغير العقلانية والخاطئة من قبل البيت الأبيض وحلف الناتو ، برر بوثن حربه على أوكرانيا حماية الأشخاص الذين يتعرضون “للتنمر والإبادة الجماعية”، وأنه يسعى إلى “نزع السلاح والأفكار النازية” من أوكرانيا.

لكن ما لا يخفى على أحد، وما صرح به مسئولون روس خلال الأزمة الممتدة على مدى أشهر، هو أن الانضمام المحتمل لأكروانيا إلى حلف الناتو، وهو تحالف عسكري كان الهدف الرئيسي من إنشائه عام 1949 مواجهة الغرب لتهديد التوسع السوفيتي، كان واحدا من أبرز العوامل التي أدت إلى تفاقم التوتر، إذ رأت فيه روسيا “تهديدا وجوديا” لأمنها القومي.

في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، لم يخف الزعماء الروس مخاوفهم من احتمال انضمام أعضاء سابقين بالاتحاد إلى حلف الناتو، ونشر قوات عسكرية معادية على حدود روسيا وفي “محيط تأثيرها”. ووفقا لعضو الكونغرس بيرني ساند رز، فإن “زعماء الولايات المتحدة اعتبروا أن تلك المخاوف مشروعة في ذلك الوقت”.

في الكلمة التي ألقاها السيناتور ساند رز في الكونغرس قبيل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، قال السياسي الأمريكي البارز: “قد يكون بوتين كاذبا وديماغوجيا، ولكن من النفاق أن تصر الولايات المتحدة على عدم قبول مبدأ محيط التأثير”، مضيفا أن الولايات المتحدة التزمت بعقيدة مونرو على مدى المئتي عام الماضية.

ساند رز لم يكن وحده من تحدث عن عقيدة مونرو منذ بدء الأزمة الروسية-الأوكرانية، فقد رأى محللون سياسيون من داخل أمريكا وخارجها أن بوتين استخدم مبادئ تلك العقيدة نفسها لمنع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو، واتهم البعض واشنطن بازدواجية المعايير. فماذا تعني هذه العقيدة؟ وما خلفياتها التاريخية؟ وكيف طبقتها الولايات المتحدة؟

مبادئ مونرو الأربعة

يعتبر كثير من المختصين في الشأن الأمريكي أن عقيدة مونرو مثلت حجر زاوية في السياسة الخارجية الأمريكية على مدى القرنين الماضيين ، وتعود التسمية إلى الرئيس الأمريكي جيمس مونرو (1817-1825) الذي كان قد تبنى سياسة معارضة للاستعمار الأوروبي في نصف الكرة الأرضية الغربي. في رسالته السنوية التي وجهها إلى الكونغرس في الثاني من ديسمبر/كانون الأول عام 1823، تحدث مونرو عن أربعة مبادئ رئيسية: • عدم تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للقوى الأوروبية أو في أي حروب تنشب بينها

اعتراف الولايات المتحدة بالمستعمرات الأوروبية الموجودة آنذاك في نصف الكرة الأرضية الغربي وعدم تدخلها فيها ، لا يحق للقوى الغربية استعمار أي مناطق جديدة في نصف الكرة الأرضية الغربي في المستقبل ، أي محاولة تقوم بها دولة أوروبية للسيطرة على أي دولة في نصف الكرة الأرضية الغربي أو قمعها سينظر إليها على أنها عمل عدائي ضد الولايات المتحدة.

وقال مونرو في إعلانه إن “العالم القديم” و”العالم الجديد” لهما نظم مختلفة ويجب أن يظلا محيطين منفصلين ، كانت دوافع مونرو في تلك الفترة، وقد نالت غالبية بلدان أمريكا اللاتينية بالفعل استقلالها عن إسبانيا أو البرتغال، كما اعترفت أمريكا بخمس جمهوريات جديدة هي الأرجنتين وتشيلي وكولومبيا والمكسيك وبيرو. لكن الولايات المتحدة كانت تخشى أن تحاول القوى الأوروبية إعادة استعمار دول المنطقة.

كما كانت متخوفة من تطلعات روسيا التوسعية في الساحل الشمالي الغربي لأمريكا الشمالية، لا سيما بعد أن تمكن القيصر الروسي ألكسندر الأول من بسط هيمنته على مناطق شمال غرب المحيط الأطلسي (في ألاسكا بالأساس)، ومنع السفن الأجنبية من الاقتراب من ذلك الساحل في عام 1821.

كانت تشير العديد من المراجع التاريخية إلى أن بريطانيا كانت تشارك أمريكا في تلك المخاوف، وأن وزير الخارجية البريطاني آنذاك جورج كانينغ اقترح إعلانا أمريكيا-بريطانيا مشتركا يحظر أي استعمار مستقبلي لأمريكا اللاتينية. بيد أن وزير الخارجية الأمريكي جون كوينسي أدامز أقنع مونرو بإصدار إعلان أحادي، حيث نبه إلى أن الإعلان المشترك ربما يقلل فرص الولايات المتحدة التوسعية في المستقبل، وأن بريطانيا ربما كانت لها طموحات إمبريالية خاصة بها.

لم تكن الولايات المتحدة قوة عظمى تستطيع إنفاذ مبادئ مونرو آنذاك، كما لم يصدر عن القوى الأوروبية الاستعمارية أي نوايا جادة للعودة إلى أمريكا اللاتينية، ومن ثم لم يكن لإعلان السياسة الصادر عن الرئيس الأمريكي (الذي سمي عقيدة مونرو بعد مرور نحو 30 عاما على صدوره) أي صدى خارج أمريكا.

 لكن سرعان ما عادت العقيدة إلى الواجهة مرة أخرى مع تغير الإدارة الأمريكية. ففي عام 2018، امتدح ريكس تيلرسون، وزير الخارجية في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، عقيدة مونرو خلال زيارة قام بها إلى المكسيك، قائلا إنها “ملائمة اليوم تماما، مثلما كانت ملائمة يوم كتبت”، كما أعلن مستشار ترامب للأمن القومي، جون بولتون، أن العقيدة “على قيد الحياة وبخير”، في خطاب هدد فيه بالإطاحة بما وصفه بالديكتاتورية في كل من فنزويلا وكوبا.

بعد ذلك بعام، قال الرئيس ترامب في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: “السياسة الرسمية لبلادنا منذ الرئيس مونرو تنص على رفضنا لتدخل الدول الأجنبية في هذا النصف من الكرة الأرضية”، فيما اعتبر تحذيرا لروسيا والصين من التدخل فيما تعتبره الولايات المتحدة فناءها الخلفي، لا سيما فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا التي وصفها ترامب بـ “ترويكا الاستبداد”.

كان هذا التاريخ الطويل من الاستناد إلى “عقيدة مونرو” في السياسة الأمريكية، هو ما طرح السيناتور بيرني ساندرز سؤالا بشأنه في إطار نقاش عقد في الكونغرس حول الأزمة الأوكرانية، وتضمن مطالبته بتفادي “حرب تحمل في طياتها دمارا موسعا” بكل الوسائل الممكنة.

ورغم تأكيده على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو بالأساس المسؤول الأول عن الأزمة، تساءل ساندرز: “هل يظن أحد أن الولايات المتحدة كانت ستلتزم الصمت إذا ما قامت دولة مثل المكسيك أو كوبا أو غيرهما من دول أمريكا الوسطى أو أمريكا اللاتينية بالدخول في تحالف عسكري مع خصم للولايات المتحدة؟ هل تعتقدون أن أعضاء الكونغرس كانوا سيقفون ويقولون إن المكسيك دولة مستقلة ولها الحق في أن تفعل ما تشاء؟ أشك كثيرا في ذلك”.

جاء تحذير ساندرز منسجما مع خطه السياسي منذ صعود نجمه في ثمانينيات القرن الماضي، كناشط سياسي بأفكار اشتراكية، انخرط ضمن صفوف المؤسسة السياسية الأمريكية بوصفه عضوا في الكونغرس، لكنه لطالما عارض عددا من سياسات واشنطن، كالحرب على العراق وحرب التحالف الذي تتزعمه السعودية في اليمن بالإضافة إلى معارضته لعقيدة مونرو.

كلمة ساندرز قوبلت بالرفض من قبل السيناتور الديمقراطي ديك ديربين، الذي رأى أن تصرفات أمريكا في الماضي لا يجب أن تكون سببا لترك بوتين يفعل ما يحلو له. ورغم قوله إنه يتفق مع ساندرز في عدم رغبته في اندلاع حرب، أضاف ديربين: “لا أتفهم نظريتك هذه، التي تقول إن من حق بوتين أن يكون له محيط تأثير أو نفوذ أو هيمنة. بالنسبة لي، هذا أمر غير مقبول ولا يتوافق وفكرة سيادة أوكرانيا على أراضيها”.

أما ساندرز نفسه، فخرج بعد بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا ليدعو العالم إلى “الدفاع عن الديمقراطية”، ويصف العدوان بغير المقبول، ويقول إنه “يجب على دول العالم الرد بقوة”. لكن كلامه عن “عقيدة مونرو” استدعى كثيرا من المقارنات بين السياسة الأمريكية في التعامل مع محيطها الإقليمي، والسياسة الروسية في التعامل مع الملف ذاته.

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

د. ادمون ملحم

د. ادمون ملحم يكتب : الواجب القومي

الواجب القومي د. ادمون ملحم رئيس الندوة الثقافية المركزية “الواجب” هو فعل إلزامي أخلاقي يقوم …