الرئيسية / الآراء والمقالات / د. مونتجمري حور يكتب : قراءة معمقة في كونفدرالية الأرض المقدسة

د. مونتجمري حور يكتب : قراءة معمقة في كونفدرالية الأرض المقدسة

مونتجمري حور

قراءة معمقة في كونفدرالية الأرض المقدسة
كتب: د. مونتجمري حور
تطل علينا مبادرة سلام تلو الأخرى وكان آخرها صعود ملف الكونفدرالية الشائك للواجهة من جديد وهذه المرة يدور الحديث عن كونفدرالية بين فلسطين وإسرائيل (وغيرهما) حيث قامت شخصيات دبلوماسية وازنة، فلسطينية وأخرى إسرائيلية، بالعمل لمدة عامين على مبادرة كونفدرالية الأرض المقدسة وتقديمها إلى الأمم المتحدة ولمسئول أمريكي رفيع المستوي لدراستها. ما يضفي أهمية على هذه المبادرة هو شمول قائمة المبادرين لشخصيات مارست العمل السياسي والدبلوماسي وشاركت مشاركة فعلية في المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. يلقي هذا المقال الضوء على تناقضات ومآخذ متعددة ستنعكس سلباً على قبول هذه المبادرة بل وستعصف بها.
أولا عنوان المبادرة:
المبادرة موسومة ب “كونفدرالية الأرض المقدسة كميسر لحل الدولتين” ويفهم منه أن الكونفدرالية ستؤسس وتيسر لحل الدولتين، وعندما ندخل في عمق المبادرة، نجد أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيأتي أولاً وسيتبعه إنشاء نظاما كونفدرالياً. يقودنا المبادرون إلى الحديث عن دولتين ذات سيادة تارة، وحين نتفحص الأمر نجدهم يتحدثون عن جسم واحد تارة متماسك وتارة منفصل. بالإضافة إلى ذلك، حاول المبادرون في بعض الفقرات عدم الربط بين الدولتين والكونفدرالية التي تربطهما، إلا أننا نجد صلات وثيقة بينهما في عمق المبادرة وأن بطلان أحدهما يبطل الآخر.
ثانيا: تناقضات لغوية وتداخل في المفاهيم:
على الصعيد اللغوي، رصدت تناقضات أظنها مقصودة لخلط الأوراق بعضها ببعض. وأمثلة ذلك: يدور الحديث عن حل دولتين منفصلتين قائمتين، وفي نفس الوقت نتفاجأ بأن الأمر لا يتعلق بدولتين بل بكيان فلسطيني يعيش داخل دولة إسرائيل نظراً لتداخل الأدوار وتشابكها. ثانيا: تبنت المبادرة الرواية الإسرائيلية والمصطلحات العبرية في الطرح رغم محاولتها الضعيفة اجراء توازن بين ذلك لدرجة توصل للقارئ الرواية الإسرائيلية على حساب الرواية الفلسطينية. ثالثا: انصب اهتمام المبادرة على تثبيت الحدود بين الدولتين فحتى وإن قرر أحد الأطراف الانسحاب من الكونفدرالية، تبقى الحدود ثابتة ولا عودة للمفاوضات حولها وفي الوقت نفسه قد تواجه الدولة الحديثة (دولة فلسطين) سحب الاعتراف الدولي بمعنى عودتنا كفلسطينيين إلى مربع أننا كيان يعيش داخل دولة إسرائيل. رابعاً: نجحت المبادرة في تقديم الكيانين الفلسطيني والإسرائيلي ككيانين يعانيان منذ زمن، ولكنها تبنت في معظمها المصطلحات والألفاظ العبرية، والفصل الثاني يعج بمصطلحات وصور ذهنية تعكس صورة اليهودي المنتمي للأرض المستمسك فيها، أما الفلسطيني فأظهرته في كل الحالات بصورة المقيم غير المنتمي، وهذه النقطة يمكن تناولها في دراسة كاملة.
ثالثاً: شروط جزائية
تحمل الاتفاقية بين طياتها ما أصفه بالشروط الجزائية، على سبيل المثال، بمجرد توقيع الأطراف المعنية للاتفاقية، ستعترف إسرائيل بالدولة الفلسطينية وسيكون أمام الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني مدة ثابتة قوامها ثلاثين شهراً كمدة تحضيرية لتنفيذ الاتفاق وخلال هذه المدة لا تعتبر الكونفدرالية قائمة وهنا الأمر مشروطاً بعدم العودة إلى قضيتين كما ورد كالتالي في نص الاتفاقية:
“إذا تراجع أحد الطرفين عن فكرة إنشاء الكونفدرالية، فإن عملية الفصل ستخضع لبنود الفصل العاشر من الاتفاقية مع عدم المساس بخطوتين قد تحققتا فعلياً وهما: الحدود التي اتفق عليها الجانبين، والمقيمين في كلا الدولتين من الفلسطينيين والاسرايليين”.
وبمراجعة الفصل العاشر، نجد أنفسنا أمام محاولات مكثفة لمنع انسحاب أحد الأطراف، والتلميح كله يدور حول الجانب الفلسطيني. بحسب بنود الفصل العاشر، سيلجأ الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي إلى طرف ثالث لتقريب وجهات النظر بينهما، وإن أصر أحدهما على الانسحاب، فقد تواجه الدولة الفلسطينية سحب الاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي. اعتراف الدولة قد لا يبقى، لكن رسم الحدود سيبقى!!، وعندها سيناقش الطرفان قضايا كثيرة منها الترتيبات الأمنية والقضايا الاقتصادية والقدس.
 
رابعاً: قطاع غزة
أصبح قطاع غزة، بموجب هذه الكونفدرالية، كياناً جغرافياً معزولاً فعلياً عن باقي أجزاء الدولة المنوي إقامتها، وسيتم ربطه، في أحسن الظروف، عبر ممر آمن يعمل تحت الإدارة الفلسطينية. ولو فرضنا عدم قدرة الجانب الفلسطيني خلال المدة الإلزامية وقوامها ثلاثين شهراً بتنفيذ الإجراءات المتفق عليها في قطاع غزة، فهذا يعني أن القطاع بات معزولاً جغرافياً وسياسيا مما سيترتب عليه ضعفاً في الخدمات المقدمة لأهلنا في قطاع غزة وسيصبح القطاع برمته جزءاً ثانوياً غير مرغوب به، وهذا ما لا نقبله.
رابعاً: لغة الأبارتايد لا تزال موجودة
سيطرت لغة الأبارتايد على عقول المبادرين؛ فلقد خصص المبادرون الفصل الثاني بأكمله لسرد الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ومعاناة الطرفين بطريقة تكاد لا تفارق كبيرة ولا صغيرة، وخلص الفصل بأن هذه المبادرة “كونفدرالية الأرض المقدسة” هي في حقيقة الأمر مصالحة تاريخية بين الفلسطينيين العرب وبين اليهود وتدعو إلى تعايش مشترك، ونتفاجأ بعدها بالحديث عن ممرات منفصلة للمقيمين في كلتا الدولتين، فمثلاً سيكون هناك طريق خاص لمرور الإسرائيليين، وطريق آخر خاص بمرور الفلسطينيين.
خامساً: مسألة السيادة على أرض الدولة الفلسطينية
بعد تحليل محتوى الفصل الخامس المتعلق الترتيبات الأمنية والتنسيق الأمني وجملة الاتفاقيات في هذا الصدد نجدها لا تدلل إطلاقاً على أن هناك سيادة فلسطينية حقيقية وكاملة على أرض الدولة الفلسطينية لا على الأرض ولا على الجو ولا حتى على الممر الآمن الذي سيربط قطاع غزة بباقي أجزاء الدولة الفلسطينية. تجدر الإشارة أن بنداً تم تخصيصه لتعريف الحدود الخارجية للدولة الفلسطينية ولآلية عملها أسرد جزءاً منه كما ورد في نص المبادرة:
” تسيطر فلسطين على حدودها … بالإضافة إلى ذلك، يمكن تعريف الحدود الخارجية للدولة الفلسطينية بأنها جزء من الحدود الخارجية للكونفدرالية …. وهذا يسمح للقوات الإسرائيلية أن تحتفظ لنفسها بوجود محدد بالتعاون مع قوة حرس الحدود الفلسطينية على الحدود الفلسطينية مع الأردن، وكذلك الأمر مع مصر، إن تم تطبيق هذه الاتفاقية في قطاع غزة”، وفي حالة نشر قوة ثالثة في الأرض الفلسطينية كالقوات الدولية، سيكون هناك تواجد إسرائيلي فيها. أما المعابر مع مصر والأردن، “ستكون تحت الإدارة الفلسطينية ولكنها تحت المراقبة الإسرائيلية عن بعد دون وجود طواقم إسرائيلية داخل المعابر”. في سياق متصل، يسيطر سلاح الجو الإسرائيلي، بموجب هذه الاتفاقية، على سماء كامل كونفدرالية الأرض المقدسة وله الحق في استخدام المجال الجوي الفلسطيني “دون أن يتسبب في إزعاج المواطنين الفلسطينيين”. تدلل جملة هذه البنود على عدم وجود سيادة فلسطينية حقيقية لا على صعيد الدولة الفلسطينية ولا على صعيد الكونفدرالية وهذا كله يعني بأن دولة فلسطين لا تعدو مجرد كيان داخل الدولة الكبرى إسرائيل.
هل هي كونفدرالية أم فدرالية أم حكم ذاتي؟
بصراحة، لا تعبر هذه المبادرة عن الواقع الفلسطيني ولا عن احتياجاته وتأتي في إطار جهود مركزة للإجهاز على حل الدولتين على حدود عام 1967 وفق قرارات الشرعية الدولية. لو طرحت هذه المبادرة بحسب بنودها على أنها فدرالية، لقلنا إنها جديرة بالدراسة لوضوحها ووضوح رؤيتها ومقاصدها ولما تجرأنا على التشكيك في نواياها ولعلمنا أننا دخلنا في حل الدولة الواحدة. كان بإمكان المبادرين الحديث عن فدرالية على غرار نموذج المملكة البلجيكية ببنود واضحة دون خلط الأوراق بعضها ببعض.
على أية حال، تعكس هذه المبادرة بوضوح قلقاً إسرائيلياً كبيراً بشأن الجوانب الديمغرافية، وهذه المبادرة التي قد تمنح (أو لا تمنح) بعضاً من الحقوق لنا كفلسطينيين فبنودها لا تزال مطروحة للدراسة بمعنى أنها ليست نهائية، ولكنها تبعد أقوى هاجس يقلق إسرائيل وهو الجانب الديمغرافي والذي حذر منه خبراء إسرائيليون بأن إسرائيل ستواجه قريبا اعتبارها “أقلية إسرائيلية تحكم أغلبية فلسطينية”. أقول بكل ثقة وموضوعية أنها هذه المبادرة ليست كونفدرالية ولا فدرالية بل استمرار لحكم ذاتي وتثبيته تثبيته أبدياً هذه المرة. عند سؤالها عن سبب البدء بالكونفدرالية وليس إعلان إقامة الدولة الفلسطينية، أجابت الدكتورة هبة الحسيني بالقول “إنها تأتي معكوسة وهذا ما يجعلها متميزة”. أقول لقد صدقت الدكتورة هبة بأنها فعلاً كونفدرالية مشقلبة.
montgomeryhowwar@gmail.com

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عمر حلمي الغول

عمر حلمي الغول يكتب : نواقص القرار الاممي

نبض الحياة نواقص القرار الاممي عمر حلمي الغول بين مد وجزر على مدار 171 يوما …