الرئيسية / الآراء والمقالات / سليم النجار يكتب : اليسار الفلسطيني فهلوة الفكر٠٠ وسذاجة الحكاية

سليم النجار يكتب : اليسار الفلسطيني فهلوة الفكر٠٠ وسذاجة الحكاية

سليم النجار

اليسار الفلسطيني فهلوة الفكر٠٠ وسذاجة الحكاية

سليم النجار

في عمّان النهار قائم والمطر لم يتوقف، أسير في شارع السلطان بتلاع العلي، ألتقي بصديق قديم يتبنى فكر اليسار أو هكذا يُعرّف عن نفسه، يرتدي معطفاً أزرقاً أنيقاً، ولا يرتدي قبعة، وجهه شاحب وعيناه منطفئتان، يسير ببطء ويتمتم بشيء ما.

اقترب منه، أجده متجهماً صموتاً وتغلب الكآبة على مظهره بالكامل.

أهمّ بالانصراف لكنه لا يتركني، أساله: هل أنت على ما يرام؟ هل تشعر بالمرض؟

ويجيبني بانزعاج: ولماذا تعتقد ذلك؟ هل مظهري سيء؟

ثم يضحك فجأة قائلا: الأمر أني هرمت ياصديقي العزيز من مواقف جماعتك؛ يعقدون اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في رام الله، يتوقف قليلا من الوقت، ثم يقول: أنتم اليمين الفلسطيني دائما في خدمة أهداف الإمبريالية الأمريكية، وهذا الاجتماع مشبوه من أوله حتى آخره.

يتوقف صديقي “اليساري” عند مدخل البقّال لابتياع باكيت دخان مالبورو٠٠

ابتسمت قليلا، ولم أفرط بهذا السلوك لاعتبارات أيديولوجية٠٠٠ ولم يَعر ابتسامتي أي اهتمام على اعتبار أنّي من أهل اليمين٠٠٠

بادر بالقول: دعنا نذهب للجهة المقابلة إلى المقهى، لن يطول بنا الوقت هناك.

ندخل المقهى، نجد صاحبه ينتظرنا على أحر من الجمر لقلة الزبائن؛ فنحن نعيش في عصر الكورونا، والجميع خائف ومرتعش من الذهاب إلى الأماكن العامة.

يقول صديقي شيئاً ما للنادل، فيأتيه الأخير بفنجاني قهوة، علماً أنه لم يأخذ رأيي بما أريد؛ بالفعل ديمقراطية من الطراز الرفيع.

طلبت منه مواصلة حديثه، لسبب ما يوافق على ذلك بسهولة، ويشعر أيضا بالفرح.

ويبدأ بكيل الاتهامات لليمين الفلسطيني، تمر دقيقة ثم يقف صديقي ويقرأ من قصائد محمود درويش القصيرة.

قبل أن نغادر المقهى طلبت منه السماح لي بالحديث، فوافق على الفور، وبهجة محياه تطلب مني الحديث!

إن النظرة النضالية إن فُصلت عن أفقها التاريخي الموضوعي تدور حول نفسها، وإذا كنت سجنياً لفكرك فأنت بلا مستقبل، وإن كل إنسان يعلم أن النقد يتولد من المعرفة، وليس من وسائل الإعلام التي تنبثق من المقابلة من أشياء عادية ليس من علاقة ظاهرة بينها. وأنا أتساءل كيف أفصل بين ما ذكرته من مواقف والواقع، بتعبير آخر فإن صوتك ومواقفك، صوت شرطي، يبحث عن أي موقف لمخالفة صاحبه.

شعرت أنه تردد قليلاً قبل الإجابة عليّ٠٠ -هكذا أنتم تبررون موافقكم “الخيانية” كأنكم لم تفعلوا شيء!

– أرجو أن تعذروني، فأنا مضطر للتحدث هنا عن أمور معروفة للقارئ المثقف.

إن الصبغة الفكرية التي تزعمون أنها ملكية خاصة بكم، سواء كانت طبيعية أو كانت تلويناً في معارك النضال الفلسطيني من أجل التحرر الأممي والاجتماعي واقع مدحوض ينتمي الى تاريخ الأمس واليوم. فالشروح والتفاسير من “انغلز” إلى”جاك بيرك” أضحت كلاسكيات. وفي فلسطين وعلى مرأى من الملأ؛ تضفي فتح تماسكاً حيوياً على عمليات النضال الفلسطيني واستعادة هويتنا العربية والوطنية وتحرير ما يمكن تحريره ضمن الظروف الموضوعية، فالوجود على الأرض الفلسطينية مدخل أساسي لتحقيق فكرة الكينونة الفلسطينية، التي في جوهرها كينونة عربية نضالية تنويرية، تتعاطى مع الواقع على اعتبار- وكما ذكر القائد والمفكر خالد الحسن- السياسة فن الممكن. ونحن لسنا هواة عبادة الفكر، الذي تحول من قِبل اليسار الفلسطيني بجميع أطيافه إلى أصنام وثنية!

وواصلت الحديث: بوضوح كانت ومازالت هناك عناصر، أو بالأحرى، جوّ عَربي يتدعي تفكّراً أشدّ يقظة. وبصراحة لا نسعى إلى التركيب الكلامي الخفي للتعبير عن العجز الذي تُعانى منه، كما أننا لسنا من عشاق سرقة الرسائل والحكايا الفكرية التي يتم السطو عليها من تجارب سياسية لها ظروفها وخصوصياتها. ولا نريد الحفظ على ألسنتنا ذكر المومياءات المحفوظة في كتب التاريخ الرسمي لتلك التجارب، والتي جعلت منها نبراساً لكم.

قاطعني وقال: حسنا لن نتجادل حول الأمر، وطلب النادل بصوت مرتفع وأصرّ على دفع الحساب وغادر دون ان يلقي عليّ السلام!

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عضو نقابة اتحاد كُتاب، وأدباء مصر
رئيس ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسـطين

د جمال ابو نحل يكتب : أيقونة سلاطين هذا الزمان فخامة سلطان عُمان هَيثمُ الهُمام

أيقونة سلاطين هذا الزمان فخامة سلطان عُمان هَيثمُ الهُمام من عاش لشعبه، ولِوطنه عاش كبيرً، …