الرئيسية / الآراء والمقالات / د.مونتجمري حور يكتب : قراءة معمقة في الاتفاقات الإبراهيمية (الجزء الثالث)

د.مونتجمري حور يكتب : قراءة معمقة في الاتفاقات الإبراهيمية (الجزء الثالث)

مونتجمري حور

قراءة معمقة في الاتفاقات الإبراهيمية (الجزء الثالث)
كتب: د.مونتجمري حور
يشهد العالم حولنا تغيرات سريعة وتداخل للمصالح خلطت الأوراق ببعضها ولا أظن ذلك صدفةً. ظهرت الاتفاقيات الإبراهيمية وأحدثت تغيراً جيوسياسياً لا يمكننا انكاره الآن. في هذا المقال، أستكمل المدى الذي تطوقه الاتفاقيات الإبراهيمية الثناية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل من جهة ودول في آسيا من جهة أخرى، تحديداً تلك التي ستشهد تعاوناً مباشراً مثل الهند وكوريا الجنوبية بما يثبت دون أدنى شك أن الاتفاقات الإبراهيمية لم تصنع لتنحصر في كونها اتفاقيات ثنائية بل اتفاقيات وتعاون متعدد الأطراف.
أولاَ: الهند
شهدت العلاقات التجارية بين الإمارات والهند إزدهاراً كبيراً في العقدين الماضيين ولا يخفى على أحد الآن أن بعضاً من رجال الأعمال الهنود هم من أكبر أصحاب المصالح والاستثمارات في دبي في مجالات عدة كالعقارات والسياحة والمناطق الاقتصادية والتجارية الحرة. في المقابل، نجحت إسرائيل في استئناف علاقاتها الدبلوماسية بصورة كاملة مع الهند وإذا كان للهند سفارة واحدة في تل أبيب، فلدى إسرائيل سفارة في نيودلهي بالإضافة إلى قنصليتين إسرائيليتين في مومباي وبنغالور. أما من الناحية التجارية، تعتبر الهند ثالث أكبر شريك تجاري آسيوي لإسرائيل منذ 2014، وعاشر أكبر شريك تجاري بشكل عام ناهيك عن تعاون عسكري بينهما. أضف إلى ذلك، تُعد الهند أكبر مشترٍ للمعدات العسكرية الإسرائيلية، بنسبة 49% من مجمل وارداتها، والتي بلغت قيمتها 15 مليار دولار. تأت الاتفاقيات الإبراهيمية كمعزز وكنقطة التقاء بين الأطراف الثلاثة فالعلاقات الإماراتية- الهندية قائمة وقوية، والعلاقات الهندية-الإسرائيلية قائمة وصلبة هي الأخرى وسنشهد تعاوناً ثلاثياً قريباً.
بالنسبة لموقف الهند الرسمي من الاتفاقات الإبراهيمية رحبت الهند رسمياً بتطبيع العلاقات الكامل بين الإمارات وإسرائيل على حد سواء لأنها تعتبر نفسها شريكاً استراتيجياً للطرفين وترى أن الاتفاقيات الإبراهيمية ستعزز جهود التنمية التي تسعى لها الأطراف الثلاثة، الإسرائيلية والإماراتية والهندية في مختلف القطاعات لاسيما الزراعة والبنية التحتية والأمن السيبراني وأنظمة الدفاع. أمثلة كثيرة على مشاريع ثنائية قائمة بين طرفين من الأطراف الثلاثة (الإماراتية والهندية والإسرائيلية) منها اتفاق جرى بين الإمارات والهند للتعاون في مشاريع متقدمة كربط البنية التحتية بالأمن الغذائي، فالزراعة هي أحد أهم مجالات التطور الذي تسعى له أبو ظبي لاعتمادها الكبيرعلى استيراد الغذاء.
ثانياً: كوريا الجنوبية
أول من بادر إلى علاقات تجارية مع كوريا الجنوبية كانت دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2018 وتبعتها إسرائيل بعد ثلاث سنوات تقريباً، حيث رفعت الإمارات العربية المتحدة سقف تعاونها مع سول وصولاً إلى علاقة استراتيجية خاصة مع كوريا الجنوبية كجزء من الثورة الصناعية الرابعة التي تعد لها أبو ظبي والتي تشمل الذكاء الاصطناعي وصناعة الروبوتات والإنترنت والطباعة ثلاثية الأبعاد والحوسبة وتكنولوجيا النانو.
بعد انطلاق الاتفاقات الإبراهيمية، سعت إسرائيل إلى علاقة تجارة حرة مع كوريا الجنوبية ونجحت في شهر مايو عام 2021 بعد زيارة وزيرين إسرائيليين آنذاك( لسول) هما وزير الخارجية الإسرائيلي جابي أشكنازي ووزير الاقتصاد عمير بيريتس، وبعد أربعة أيام من المحادثات مع وزير الخارجية الكوري الجنوبي تشونج إيوي يونج ووزير الصناعة مون سونج ووك ووزير التجارة يو ميونج هي، توصل الطرفان إلى إبرام اتفاق شراكة بينهما تقوم إسرائيل بموجبه بتطوير أنظمة أسلحة متطورة- مركبات خاصة وسرية يتم إنتاجها في إسرائيل وسيتم إدخالها إلى الأنظمة في كوريا الجنوبية. بالإضافة إلى ذلك، يمكننا القول أن ما تطمح له أبو ظبي في تعاونها مع كوريا الجنوبية يتقاطع أيضاً مع ما تملكه إسرائيل من تقنيات حديثة ومن المرجح أن يحدث تعاوناً ثلاثياً في هذا الصدد.
تجدر الإشارة إلى تعاون إماراتي- كوري جنوبي أسفر عن زراعة الإمارات للأرز الكوري في جزء من الصحراء باستخدام الحد الأدنى من المياه وهذا النوع من المشاريع يأتي ضمن خطط الإمارات لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء فهي تسعى جدياً الى زراعة الصحراء بل وتنويع زراعتها فيها وفي حالة نجاحها، سيقل اعتماد الإمارات على استيراد الغذاء من الخارج، بالإضافة إلى تعاونها مع كوريا الجنوبية في قطاعات عدة منها الطاقة وتحلية المياه والصحة والسياحة وللعلم أكثر من مئتي طاقم طبي كوري جنوبي يقدم خدمات رعاية صحية في احدى مستشفيات الإمارات. مطلع العام الحالي، وقعت وقَّعت الإمارات وكوريا الجنوبية تحديداً في 16 يناير عام 2022 مذكرة تفاهم بشأن التعاون المتوسط وطويل الأمد في مجالات الصناعات الدفاعية.

علينا كقيادة وكتًاب ومثقفين أن ننتبه قبل أي شيء إلى النقاط التالية:
 أولاً أن الإمارات العربية المتحدة سعت منذ سنوات إلى أن تصبح مركزاً لثورة صناعية ويبدو أنها قطعت شوطاً لا بأس به في تحقيق ذلك، وإذا كان ينظر للصين وكوريا الجنوبية على أنها جزء من دول شرق آسيا، بات ينظر للشرق الأوسط برمته على أنه غرب آسيا.
ثانياً، تتبنى الاتفاقيات الثنائية بين الإمارات وإسرائيل سياسة جديدة سأسميها “سياسة العمل التشاركي الموجه” وهي سياسة تترك وراءها أثراً ملموساً وتخاطب أهدافاً بعينها، وعلى دبلوماسيتنا أن تكون في قلب الحدث.
ثالثا، لا شك في أن اتفاقات أبراهام تعزز علاقة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها تحمل بين ثناياها استراتيجية شمولية العلاقات على المدى المتوسط والبعيد.
رابعاً، على مدى العقدين الماضيين وربما أكثر، كان العالم في حالة إعادة تعيين ويمكننا الزعم أن الولايات المتحدة الأمريكية بكل عظمتها وإمكاناتها أخفقت في إحداث تغيير جيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط، ولو دققنا النظر في الاتفاقات الإبراهيمية سنستنتج أن دولة الإمارات العربية المتحدة استطاعت أن تحقق هذا التغيير في الوقت الذي أخفقت فيه الولايات المتحدة ذاتها في تحقيقه.
لا أعني بمقالاتي أن الطريق وردي أمام الاتفاقيات الإبراهيمية فهناك تحديات كبيرة قد تقف في وجه نجاحها، وأبرزها مدى قدرة الإمارات وإسرائيل على الجمع بين المتناقضات السياسية المختلفة سواء مع القوى العظمى والقوى الإقليمية والدولية، وللآن هناك نجاح كبير في هذا المضمار.
ما يهمنا كفلسطينيين أصحاب حق وأصحاب قضية هو موقف الإمارات الرسمي من قضيتنا الفلسطينية، والدبلوماسية الإماراتية لا تترك مناسبة إلا وتؤكد فيها على دعمنا المطلق بإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وفق قرارات الشرعية الدولية ووفق مبادرة السلام العربية وهذا ما يهمنا، لذا علينا أن نكون واقعيين وأن نواصل الحديث والتعاون مع أشقائنا الإماراتيين، بل والبحث عن كل نقاط الالتقاء بيننا وبينهم وكيف لنا أن نستثمر النجاح والتقدم الإماراتي في رفعة قضيتنا وعودتها إلى الساحة الدولية كقضية ذات أولوية في هذه الأوقات العصيبة.

montgomeryhowwar@gmail.com

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

سفير الاعلام العربي في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية

سري القدوة يكتب : حرب الإبادة الجماعية والأزمات الداخلية الإسرائيلية

حرب الإبادة الجماعية والأزمات الداخلية الإسرائيلية بقلم  :  سري  القدوة الخميس 28 آذار / مارس …