الرئيسية / الآراء والمقالات / د. مونتجمري حور يكتب : قراءة معمقة في الاتفاقات الإبراهيمية (الجزء الثاني)

د. مونتجمري حور يكتب : قراءة معمقة في الاتفاقات الإبراهيمية (الجزء الثاني)

مونتجمري حور

قراءة معمقة في الاتفاقات الإبراهيمية (الجزء الثاني)
كتب: د. مونتجمري حور
بعد الإطلاع على النصوص الأساسية للاتفاقات الإبراهيمية بين الإمارات وإسرائيل، يمكننا القول أنها تحمل بين طياتها نقاطاً مفتوحة ذات معنى فضفاض يشوبه الغموض. أول هذه النقاط هو البند السابع من الاتفاقية الذي يتعهد بموجبه الطرفان الإماراتي والإسرائيلي ب “تعزيز السلام والاستقرار والازدهار في العلاقات بينهما وفي الشرق الأوسط بالعمل مع الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها لتحقيق ذلك”. وهنا تجدر الإشارة أن هذا البند لا يحصر التعاون والتعامل في الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى، ولكنه يترك الباب مفتوحاً أمام أشكال تعاون أخرى مع قوى عظمى أخرى وغيرها من القوى الإقليمية الأخرى دون تسميتها وهنا يجب أن يكون لنا وقفة، والنقطة الثانية هي التصريحات المهمة التي أطلقها وزير الاقتصاد الإماراتي على الاتفاقات الإبراهيمية ووصفها ب “الثورة الصناعية الرابعة، وأن دولاً ثالثة في آسيا وأفريقيا وأمريكيا الجنوبية ستشملها الاستثمارات التي تستهدفها هذه الصفقة”. يستكشف هذا المقال مدى الاتفاقات الإبراهيمية التي تسمل عدة دول وقوى. يحصر هذا المقال إلقاء الضوء على مواقف الصين تجاه الاتفاقات الإبراهيمية لكون الصين قوة اقتصادية عظمى على أن تستكمل مقالات لاحقة باقي القوى ذات العلاقة.
تعتبر الإمارات وإسرائيل رأس حربة في الاتفاقات الإبراهيمية كقوتين مندفعتين تجاه التطوير والقيادة والريادة، حيث أطلقت حكومة دولة الإمارات ما أسمته استراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة والتي تهدف إلى تعزيز مكانة دولة الإمارات كمركز عالمي للثورة الصناعية الرابعة، والمساهمة في تحقيق اقتصاد إماراتي وطني تنافسي قائم على المعرفة والابتكار والتطبيقات التكنولوجية المستقبلية التي تدمج التقنيات المادية والرقمية والحيوية، وترى الإمارات أن الاتفاقات الإبراهيمية إحدى أهم المبادرات التي ستحقق هذه الرؤية. أما إسرائيل فباتت تنظر إلى أهمية مكانة الإمارات كمركز عالمي حقيقي وتسعى إلى التعاون معها لتوسيع نطاق عمل شركاتها ونفوذها إقليمياً ودولياً.
تأتي هذه الاتفاقيات في وقت تشتعل فيه الأزمة بين الصين الولايات المتحدة وغيرهما من القوى الاقتصادية ولا يخف على أحد الآن التنافس الأمريكي- الصيني، ويعلم الجميع أيضاً تأييد الولايات المتحدة الأمريكية الكبير للاتفاقات الإبراهيمية، ولكن ماذا عن الصين وغيرها من القوى؟ هل ستكبح الصين جماح الاتفاقيات الإبراهيمية أم أن الأخيرة تأتي منسجمة مع طموحات الصين الاقتصادية، تحديداً مشاريع “مبادرة الحزام والطريق” الصينية؟
كثفت الصين مشاركتها ووجودها على الصعيد العالمي من خلال مبادرة الحزام والطريق التي تبلغ تكلفتها عدة تريليونات من الدولارات، وهي تكتسح بشكل مطرد منطقة الشرق الأوسط، وهناك شكل من أشكال التوسع للنطاق الذي تستهدفه مبادرتها المسماة “الحزام والطريق” الذي اعتبر سابقةً في التعاون الاقتصادي وهو يتمثل في استثمارات تجريها الإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية فيما يعرف بمشروع ” الممر الصيني الباكستاني، واستثمارات أخرى في مشروع تطوير ميناء الدقم في دولة عُمان. بإيجاز مقتضب، يهدف مشروع الممر الصيني الباكستاني إلى ربط مقاطعة شينشيانغ الصينية ذات الأهمية الاستراتيجية شمال غربي الصين، بميناء غوادار الباكستاني، من خلال شبكة من الطرق والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب لنقل البضائع والنفط والغاز، وتسعى الإمارات والسعودية من خلال هذا المشروع الى فتح سبل جديدة ضخمة لدعم صادراتهما من النفط وصادرات أخرى. تجدر الإشارة هنا أن الصين والإمارات وإسرائيل يمكنهم تكرار هذا النموذج من التعاون في أي مكان آخر بموجب الاتفاقات الإبراهيمية الجديدة. وللتركيز أكثر على حجم التعاون بين الإمارات والصين القائم فعلاً، ننوه إلى بعض أشكال التعاون بينهما، وأمثلة ذلك:
أولا، فتحت الصين أكبر مركز خارجي لاختبارات كورونا في الإمارات العربية المتحدة وسط تفشي فايروس كورونا (Covid-19)
 ثانيا، تعتمد دولة الإمارات العربية على استخدام أجهزة المراقبة صينية الصنع اعتماداً كلياً. ثالثا، وقعت شركة Huawei  اتفاقاً مع أكبر الشركات الإماراتية اتفاقاً لتطوير شبكات 5G الجيل القادم من شبكات الاتصال بالإنترنت.  ثالثاً، هناك تعاون بين الجانبين في عدة مجالات منها الذكاء الصناعي والمرجح أن تلتحق بهما إسرائيل قريباً مما يؤكد فرضية تعاون الأطراف الثلاثة (الصين والإمارات العربية وإسرائيل) في مجال التكنولوجيا والذكاء الصناعي.
أما على صعيد مشاريع الغاز في منطقتنا، فالصين تسعى هي الأخرى للاستفادة مما يدور في موازين القوى المتصارعة على مشاريع الطاقة في البحر الأبيض المتوسط وهذا ما ستكشفه الفترة القريبة القادمة بأنه بكين ستتخذ موقفاً يصب في مصلحة الاتفاقات الإبراهيمية والتقارب الإماراتي-الإسرائيلي على حساب تركيا، وهذا ما يفسر لنا التغير الدراماتيكي السريع في السياسة الخارجية لتركيا مؤخراً حيث رأينا بين ليلة وضحاها سعياً تركياً دؤوباً لتحسين علاقات تركيا مع إسرائيل وإحداث تقارب معها، ولم يقف الأمر عند دعوة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ زيارة إسرائيل، بل صدرت تصريحات مهمة على لسانه تتمثل في رغبة بلاده إصلاح العلاقات المتوترة مع إسرائيل وأنه مستعدّ للتعاون مع إسرائيل في مشروع خط أنابيب غاز في شرق البحر المتوسط لتصديره إلى القارة الأوروبية عبر أراضيها.
على الدبلوماسية الفلسطينية أن تستفيق من صدمتها، وأن تستكشف طرقاً وأساليباً جديدة للتعامل مع ما يدور. إن اتباعنا لسياسة المقعد الفارغ لن يجدي نفعاً والأفضل هو النهوض لمواجهة تحديات المرحلة القادمة وتسمية الأمور بمسمياتها، وأكرر أن ترحيل الملفات الدبلوماسية والسياسة إلى مرحلة ما بعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس هو قرار خاطئ ومكلف. وبناء عليه، أُعلي الصوت مجدداً بالتأكيد على ضرورة العمل مع دولة الإمارات العربية المتحدة والبحث عن نقاط الالتقاء والتقاطع معها، ولا أدعو لأن نكون قريبين من الحدث، بل في قلب الحدث.
montgomeryhowwar@gmail.com

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

سفير الاعلام العربي في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية

سري القدوة يكتب : العالم يندد “بالفيتو الأميركي” ضد عضوية فلسطين

العالم يندد “بالفيتو الأميركي” ضد عضوية فلسطين بقلم  :  سري  القدوة الاثنين 22 نيسان / …