الرئيسية / الآراء والمقالات / عائد زقوت يكتب : هل خرجت غزة من البئر

عائد زقوت يكتب : هل خرجت غزة من البئر

عائد زقوت
هل خرجت غزة من البئر
عائد زقوت

جعلت الجماعات الإسلامية وحركات الإسلام السياسي من الوصول إلى الحكم غايتها، انطلاقًا من أيدولوجيتها التي ترى أنَّ غاية الإسلام هي تحقيق الحاكمية، ولأجل ذلك عملت على إنشاء تنظيم يتمحور حول هذه الفكرة، ليتمكنَ من مواجهة الصدامات الداخلية والخارجية، ويكون قادرًا على الاستمرار حتى يصل إلى ما يتطلع إليه، مستندين على فهمهم واعتقادهم أنَّهم يمثلون الفرقة الناجية والتي تستدعي بالضرورة التدخل الإلهي لحسم النتائج لصالحهم، أسوةً بتدخل السماء الحاسم كما حصل مع كثير من الأنبياء بصنوف شتى، ولكنَّ قصة يوسف بن يعقوب عليهما السلام، كانت الأبرز من بين القَصص التي تجلّت فيها القدرة الإلهية في مواقف عديدة بدأت من استبدال إخوته لفكرة قتله بإلقائه في البئر،

ثم السَّيارة الذين أخرجوه، ففتنة امرأة العزيز، وسجنه مدة طويلة، مرورًا بتأويله لرؤية الملك إلى أنْ أصبح عزيزًا لمصر، وانتهاءً بتحقيق رؤياه من قَبل بسجود أبويه وإخوته بين يديه، وأيضًا رَسَّخَتْ هذه القصة مفهوم ” الضربة التي لا تقصمني تزيدني قوة “، فتأسّوا به، واتخذوه شعارًا لهم، وأسقطوه على واقعهم، وهذا يسوقنا إلى ضرورة إعمال العقل في الغاية التي من أجلها تحمّل أنبياء الله صنوف الاتهامات والحصار والقتل أحيانًا، ومحاولات القتل أحيانًا أخرى، هل هي الوصول إلى الحكم أم الدعوة إلى التوحيد، وكذلك لا بدّ من إعمال العقل فيما بذلوه من جهد وصبر استجلابًا للقدرة الإلهية، وفيما قَدَّمَتْه تلك الجماعات والحركات منذ ظهورها في مطلع القرن التاسع عشر وحتى واقعها اليوم، مع الأخذ بعين الاعتبار الأسباب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي أدت إلى ظهور تلك الحركات والجماعات وتبنيها أفكارًا وأُسُسًا عقائدية من بينها الحاكمية،

والثنائيات المتصارعة، والتغير بالقوة، والتمكين، وإذا ما أخذنا نتائج تجارب هذه الجماعات والحركات في الحكم بشكل مباشر مثل مصر والسودان وتونس والمغرب وتركيا، وبشكل غير مباشر عبر مشاركتها في المجالس النيابية أو استخدامها للنفوذ القَبَلي والحزبي مثل الأردن واليمن والكويت وقطر، وأسقطناها على محطات تدخل القدرة الإلهية في تلك القصة، والمفهوم الذي بُنِي على أحداثها، نجد أنَّ جميع هذه التجارب فشلت في استجلاب القدرة الإلهية، أو على الأقل لم تحقق المنشود منها، فعلى سبيل المثال نجد غالبيتها مارست السلطوية والتفرد في رسم السياسات واتخاذ القرارات، ودولًا قَنَّنَتْ الدعارة والمَيْسِر “القِمار” وكانت جزءًا من مدخولاتها القومية، وعملت بقوانين تحمي الرذيلة وتحارب الفضيلة، وجميعها اعتمدت على الاقتصاد الربوي، وغابت عنها العدالة وحرية التعبير،

ورفعت لواء الإقصاء من أجل التمكين، ودخلت في أحلاف ومحاور على حساب دماء المسلمين ووحدة أراضيهم وشعوبهم ومصالحهم مما عَجَّل في فشل تجاربهم في الحكم، ولم يتمكنوا خلال قرن من الزمان من تجسيد أفكارهم وأُسُسِهم العقائدية واقعًا ملموسًا مما يشير إلى وجود خطأ في فهم مُراد الله، وإذا ما سلّطنا الضوْء على تجربة الإسلاميين في غزة نرى أنَّها لم تتمايز عن تجربة الآخرين سوى بتحسين قدرة المقاومة العسكرية، وصناعة هالة من الندية أمام الآلة العسكرية الصهيونية، وهذا لا يكفي لاستجلاب القدرة الإلهية، للخروج من البئر الذي أسقطتنا فيه تلك الأفكار والأسس العقائدية المَودودية والقطبية وأدخلتنا في حالة الدَّكن الفكري والسياسي، فهل للخروج من البئر من سبيل؟

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عضو نقابة اتحاد كُتاب، وأدباء مصر
رئيس ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسـطين

د جمال ابو نحل يكتب : أيقونة سلاطين هذا الزمان فخامة سلطان عُمان هَيثمُ الهُمام

أيقونة سلاطين هذا الزمان فخامة سلطان عُمان هَيثمُ الهُمام من عاش لشعبه، ولِوطنه عاش كبيرً، …