بلال النتشة
الرئيسية / الآراء والمقالات / اللواء بلال النتشة يكتب : في ذكرى الانطلاقة… القدس قلعة حصينة على الاختراق

اللواء بلال النتشة يكتب : في ذكرى الانطلاقة… القدس قلعة حصينة على الاختراق

بلال النتشة

في ذكرى الانطلاقة… القدس قلعة حصينة على الاختراق

بقلم :اللواء بلال النتشة
الأمين العام للمؤتمر الوطني الشعبي للقدس

كان عام 2021 ، عام المجزرة الحقيقية بحق القدس، حيث استهدفت سلطات الاحتلال الانسان والمكان في آن معا ، لكن الثابت الوحيد في المشهد السوداوي الذي لف المدينة المقدسة ، هو صمود المواطن رغم عدم وجود مقومات جدية لهذا الصمود، ليثبت ان مدينته عصية على الاختراق .
ولعل ابرز ما جعل المقدسي قادرا على الصمود والثبات هو القرار الذاتي المتعلق بذلك ، اذ ان القاعدة تقول :ان الصمود ينمو مع الانسان تماما كما ينمو الجسد فهو عملية تربوية وممارسة عملية بمعنى تحويل الشعار الى فعل مقاوم.
وهذا ما حصل ويحصل مع المقدسيين المرابطين على ثغور الأقصى وفي البلدة القديمة وفي الشيخ جراح وسلوان ورأس العمود والطور وغيرها من القرى والبلدات المقدسية التي يستهدفها الاحتلال بالاستيطان والهدم والاعتقال والترويع وما الى ذلك من ممارسات لا يكفي ان نقول انها تخالف القانون الدولي بل تتجاوزه وتتجاهل وجوده بشكل كلي لان إسرائيل تعتبر نفسها دولة فوق القانون .
وفي هذه العجالة، الجدير بالقول ان دولة الاحتلال جندت في العام الموشك على الرحيل، جل امكانياتها لتهويد المدينة المقدسة عبر سلسلة من المشاريع الاستيطانية في قلب المدينة واكنافها ” بيت صفافا وشرفات ومنطقة بيت جالا والشيخ جراح وسلوان نموذجا” ، اذا تم الإعلان عن المصادقة على مجموعة من هذه المشاريع التي تشمل إقامة أبراج ضخمة فوق الأراضي الفلسطينية المصادرة لجلب المستوطنين اليها، بما يعني ان الاستيطان يأخذ الشكلين العمودي والافقي في آن واحد ، في الوقت الذي يحرم فيه المقدسي من بناء غرفة إضافية الى سكنه المقيم فيه او اقامة بناء جديد على ارض يملكها من خلال حرمانه من اصدار الرخصة من قبل بلدية الاحتلال، الامر الذي يجعل موضوع البناء في القدس امرا مستحيلا وهو ما يدفع الناس الى الهجرة الطوعية لمناطق متاخمة مثل مخيم شعفاط او كفر عقب وغيرهما من المواقع التي أصبحت مكتظة سكنيا .
تأسيا على ذلك ، فان إسرائيل ترمي من هذه السياسة الى :
أولا: اجبار المقدسي على الرحيل عن مدينته تحت ضغط السكن والمعيشة والضرائب وغلاء الأسعار وانعدام فرص العمل ضمن سياسة تمييز عنصري واضحة.
ثانيا: استثمار علمية التفريغ البشري للمدينة واستبدال الكتلة التاريخية الفلسطينية الحامية للقدس بكتلة استيطانية متطرفة تنتشر في شتى انحاء المدينة لتحدث مع مرور الزمن حالة من التوازن الديمغرافي .
ثالثا: قتل الروح الوطنية لدى المقدسيين وجعلهم مفرغين من الانتماء الوطني لمدينتهم عبر اللهاث وراء مصادر العيش الكريم والاستقرار الأمني والاجتماعي بعيدا عن المواجهة اليومية مع الاحتلال الذي يفرضها على المواطنين بدعم من حكومة بنيت الاستيطانية .
رابعا : العمل قدر المستطاع على تضييق الخناق على سكان البلدة القديمة الذين يشكلون الدرع الحامية للمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة وفي مقدمة ذلك الحرم القدسي الشريف الذي يستبيحه المستوطنون وعناصر المخابرات والشرطة الإسرائيلية بشكل يومي .
خامسا: فرض المناهج الإسرائيلية على المدارس التابعة للسلطة الفلسطينية وفي حال رفضها تتعرض للإغلاق او اعتقال المدرسين او الطلبة وهو ما حدث مع مدير عام تربية القدس الأستاذ سمير جبريل الذي اعتقل وخضع للتحقيق والإقامة الجبرية فيما اغلق مكتب التربية في القدس والذي يعتبر الحبل السري بين الطلبة واوليائهم والمؤسسة التعليمية الفلسطينية الرسمية .
هذا غيض من فيض والقائمة تطول في تعديد الأهداف الاحتلالية من وراء عمليات الترهيب اليومية المتبعة بحق المقدسيين لسلبهم هويتهم . لكن كل ما تم ذكره لم يتحقق بالنسبة المئوية التي تطمح اليها إسرائيل ، ففعليا عملية الهجرة من القدس لا تتجاوز العشرة بالمئة وهي ليست ثابتة بمعنى ان المقدسي الذي يعمل في كفر عقب او يسكن بها يعيش أيضا في البلدة القديمة ويصلي في الأقصى والقيامة ويأكل الحمص والفلافل والكعك المقدسي ويسير في باب الخليل وسوق خان الزيت ويشرب القهوة العربية الاصيلة والخروب على درجات بابا العمود وهي بالمناسبة اكلات ومشروبات فلسطينية منذ الازل ولا مجال لنسبها الى التاريخ المزيف من قبل من يتقنون هذه اللعبة . ؟؟
اذا ، المقدسي هو المعادلة الأصعب بالنسبة للاحتلال ،حيث يواجه هذا الأخير، انسانا عنيدا وصاحب قرار ومبدأ لا يقبل المساومة ، وهو ما أكدته الحاجة الثمانينية”ام سالم” عندما جاؤوا لاقتلاعها من ارضها ومنزل عائلتها في الشيخ جراح:” نحن هنا باقون ولن نرحل ولن نكرر تجربة 48″ . وهذا باختصار يلخص فشل المقولة الإسرائيلية “ان الفلسطيني سيتحول الى غبار الأرض”، فها هو الجيل القديم يتمسك بالوطن والجيل الجديد يقاتل بصلابة دفاعا عن ارض الإباء والاجداد رافضا المذلة والتشتت مرة أخرى في المنافي، مفضلا الموت على تراب فلسطين ، على العيش الرغيد في قصور الغربة .
هذه رسالة المقدسي للاحتلال عشية ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في الفاتح من كانون الثاني عام 1965 ، وعلى حكومة الاحتلال التي ترعى وتدعم الاستيطان وتمول مشاريعه التوسعية بغزارة في القدس والاغوار والضفة الغربية ، ان تعلم ان الفلسطيني هو ملح الأرض وليس غبارها وهوعمود الخيمة ووتد التاريخ وانه مصرعلى استعادة حقه المسلوب وعلى العيش بأمن وسلام واستقرارعلى ارض وطنه اسوة ببقية شعوب الأرض وهو على يقين أيضا ان الاحتلال الى زوال طال الزمن ام قصر وان القدس ستبقى فلسطينية الهوى والهوية وان كل مشاريع التزييف والتحريف لن تغير من الحقائق الثابتة المنقوشة على اسوار “يبوس” بدماء الشهداء الزكية دفاعا عن ثرى اطهر بقاع الأرض وأكثرها قدسية .
ختاما نقول لكل أبناء القدس وشعبنا الفلسطيني العظيم وأبناء “الفتح” : انطلاقة مجيدة وعام زاخر بالأمل وتحقيق المجد والانتصارات. فنحن الاحرار سنعيش ونظل نقاوم لنثقب ثغرة في الجدار الذي بناه الاحتلال امام الشروق ليمر النور للأجيال القادمة حتى ان كلفنا ذلك حياتنا.

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عمر حلمي الغول

عمر حلمي الغول يكتب : نواقص القرار الاممي

نبض الحياة نواقص القرار الاممي عمر حلمي الغول بين مد وجزر على مدار 171 يوما …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *