الرئيسية / الآراء والمقالات / علي ابو حبلة : تقرير البنك الدولي عن الاقتصاد الفلسطيني يتجاهل الاحتلال الصهيوني وأسباب معيقات التنمية ألاقتصاديه

علي ابو حبلة : تقرير البنك الدولي عن الاقتصاد الفلسطيني يتجاهل الاحتلال الصهيوني وأسباب معيقات التنمية ألاقتصاديه

رئيس تحرير افاق الفلسطينيه
رئيس تحرير افاق الفلسطينيه

تقرير البنك الدولي عن الاقتصاد الفلسطيني يتجاهل الاحتلال الصهيوني وأسباب معيقات التنمية ألاقتصاديه 

المحامي علي ابوحبله 

قال البنك الدولي إن الاقتصاد الفلسطيني بدأ يُظهر بعضَ علاماتٍ على التعافي وأرجع ذلك، إلى حد كبير، إلى التحسُّن في النشاط الاقتصادي في الضفة الغربية. لكن قطاع غزة مازال يعاني أوضاعاً اقتصادية بالغة الشدة، مع الارتفاع الكبير في معدلات البطالة وتدهور الأحوال الاجتماعية. وفي السياق الاقتصادي الراهن، تشوب حالة من عدم اليقين آفاق المستقبل في ضوء محدودية مصادر النمو المستدامة. جاء ذلك في تقرير المراقبة الاقتصادية الفلسطينية المقدم إلى لجنة الارتباط الخاصة.

وسيتم عرض هذا التقرير في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بمدينة أوسلو بالنرويج، في اجتماعٍ على مستوى السياسات بشأن المساعدات الإنمائية المقدمة إلى الشعب الفلسطيني. ويُسلِّط هذا التقرير الضوءَ على التحديات الجسيمة التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني بوجهٍ عام، وبدرجةٍ أكثر تحديداً على الأداء الاقتصادي في قطاع غزة واحتياجاته الإنمائية.

وتعقيباً على التقرير، قال كانثان شانكار المدير والممثل المقيم للبنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة: “إن النمو الحالي الذي يقوده الاستهلاك في الضفة الغربية يُعزَى إلى انتعاشٍ انطلق من سنة أساس منخفضة في عام 2020، وهو وضعٌ تفاقم بسبب أزمة جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19). ولا يزال الاقتصاد يعاني من قيود على الحركة والعبور والتجارة – وهي أكبر عائق للاستثمار والوصول إلى الأسواق. ويفتقر هذا الاقتصاد أيضاً إلى مُحرِّكات النمو التي تُفرِز آثاراً إيجابية مستدامة على الاقتصاد وظروف المعيشة. كما أن المسار القادم أمامنا لا تزال تخيم عليه حالة من عدم اليقين، ويتوقف على اتخاذ كل الأطراف جهوداً مُنسَّقة لإنعاش الاقتصاد وتوفير فرص العمل للشباب”. 

لقد بدأت أنشطة الأعمال في الانتعاش تدريجياً بفضل انحسار حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا، واستمرار حملة التطعيم، وتخفيف تدابير الإغلاق. وكانت الضفة الغربية هي المُحرِّك الوحيد لتحسن الأداء الاقتصادي، أمَّا اقتصاد غزة فقد ظل في حالة شبه ركود بفعل جولة الصراع الأخيرة التي استمرت 11 يوماً في مايو/أيار. وبلغ معدل النمو 5.4% في النصف الأول من 2021، ويُتوقع له أن يصل إلى 6% هذا العام. لكن من المتوقع أن يتراجع النمو في عام 2022 إلى نحو 3% بسبب تضاؤل سرعة الانتعاش ما بعد كوفيد-19 وبقاء مصادر النمو محدودة.

ومازالت أوضاع المالية العامة للسلطة الفلسطينية تواجه تحدياتٍ جسيمة. وعلى الرغم من زيادة عائدات المالية العامة، فإن الإنفاق العام ارتفع بالمعدل نفسه وهوت المساعدات إلى مستوى قياسي متدنٍ. وزادت الضغوط على المالية العامة من جراء استقطاعات إضافية أجرتها الحكومة الإسرائيلية من الإيرادات الضريبية الشهرية التي تقوم بتحصيلها لحساب السلطة الفلسطينية (إيرادات المقاصة). وبعد حساب الدفعة المُقدَّمة من إيرادات المقاصة التي قدَّمتها الحكومة الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية، والتمويل المقدم من المانحين، من المتوقع أن يصل عجز موازنة السلطة الفلسطينية إلى 1.36 مليار دولار في 2021. وقد تواجه السلطة الفلسطينية صعوبات في الوفاء بالتزاماتها الجارية قرب نهاية العام. ولم تعد السلطة الفلسطينية قادرة على الاقتراض من البنوك المحلية، ولذلك قد تضطر إلى زيادة تراكم المتأخرات المستحقة للقطاع الخاص، الأمر الذي يؤدي إلى سحب مزيد من السيولة في السوق.

ويتناول التقرير أيضاً الآثار التراكمية لسنواتٍ من الحصار على اقتصاد غزة الذي انكمش في الوقت الحالي إلى نسبة ضئيلة من إمكاناته التقديرية. وتقلصت مساهمة قطاع غزة في الاقتصاد الفلسطيني الكلي بمقدار النصف خلال العقود الثلاثة الماضية، ووصلت في الوقت الحالي إلى 18% فقط. وشهد قطاع غزة تراجع أنشطة التصنيع وأصبح اقتصاد القطاع يعتمد بنسبة كبيرةً على التحويلات الخارجية. علاوةً على ذلك، أثَّر التدهور الاقتصادي في قطاع غزة تأثيراً شديداً على مستويات المعيشة، إذ بلغ معدل البطالة 45%، ووصل معدل الفقر إلى 59% من جراء جولة الصراع الأخيرة التي استمرت 11 يوماً وتدهور الأوضاع من جراء تفشي جائحة كورونا. ويعاني المواطنون في غزة من نقص إمدادات الكهرباء والمياه وخدمات الصرف الصحي، والصدمات النفسية الناجمة عن الصراع، والقيود على الحركة والانتقال.

وأضاف شانكار بقوله: “تبعث الظروف المعيشية المروعة والاعتماد الشديد على المساعدات الاجتماعية لسكان غزة على القلق البالغ. ومن الضروري أن تبذل كل الأطراف جهوداً مُنسَّقة لتلبية الاحتياجات التي تم تحديدها في التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في قطاع غزة (2021) الذي قاده البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لمساندة جهود الإعمار وعكس مسار الانحدار في مؤشرات التنمية ومستويات المعيشة في القطاع”.

وبالنسبة للإجراءات ذات الأولوية الواجب اتخاذها فتشمل زيادة إمدادات الكهرباء وتطوير البنية التحتية والشبكات لتعزيز النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى تحسين الخدمات العامة. ويتضمَّن هذا توصيل الغاز الطبيعي إلى قطاع غزة من أجل إطلاق العنان لإمكانات الطاقة المتجددة. وتحصل نسبة لا تتجاوز 1% من السكان على إمدادات مياه الشرب المُحسَّنة وعلى قدرٍ محدودٍ من خدمات معالجة مياه الصرف، ولذلك فثمة ضرورة ملحة لتعميم إمكانية الحصول على إمدادات مياه شرب مُحسَّنة، ومعالجة 95% من مياه الصرف التي تُنتج في غزة. ومن الأمور بالغة الأهمية بذل جهود لإعادة ربط قطاع غزة باقتصاد الضفة الغربية والأسواق الخارجية، ومن ذلك إصدار تراخيص الأعمال لتجار غزة، وتخفيف القيود على مستلزمات الإنتاج ذات الاستخدام المزدوج. ومن الضروري أيضاً العمل على تعميم إمكانية الوصول إلى الربط الرقمي الذي سيساعد على ربط الناس والاقتصاد بالأسواق الإقليمية والعالمية. ويجب بعد ذلك توفير خدمات النطاق العريض لاتصالات الهاتف المحمول من الجيل الثالث على الأقل في إطار زمني واضح، وتخفيف القيود على دخول معدات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. 

 وتعقيبا على التقرير فان التنمية ألاقتصاديه في فلسطين تواجه عملية تحديات كثيرة، وتحيطها عقبات جدية، منها ما هو خارجي ومنها ما هو ذاتي. وغالباً ما يتم التذرع بهذه المعيقات لتبرير فشل أو تأخر عملية التنمية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وقد برهنت التجارب التنموية لدول العالم المختلفة على أن عوامل النجاح في تحقيق أهداف التنمية، لا تتوقف على الثروات والموارد والجغرافيا وعدد السكان، وإنما تعتمد بالأساس على سلامة الرؤية التنموية، وسلامة التخطيط وحسن التنفيذ، وصلاح الحكم وحسن الإدارة التنموية ونزاهتها .

ويأتي الاحتلال الإسرائيلي وممارساته التعسفية، وقوانينه واشتراطاته في مقدمة المعيقات الخارجية، بل إنه يعد أهم عامل يعيق التنمية في فلسطين ، وتخضع الضفة الغربية للاحتلال الإسرائيلي، وقد أقرت اتفاقية أوسلو انسحاب إسرائيل من المناطق المصنفة (أ+ب) التي تشكل نحو 40% من أراضي الضفة، ما يعني أن بقية الأراضي (المصنفة ج) تشكل نحو 60% من الضفة، وهذه تخضع بشكل مباشر للسيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية. وفي هذه المناطق لا تستطيع السلطة إقامة أية مشاريع تنموية إلا بموافقات من سلطات الاحتلال، وهي غالباً لا توافق. ومن المعلوم أن أهم الثروات الطبيعية والمائية والفرص التنموية موجودة في مناطق (ج)، ومساحتها قرابة 3.3 مليون دونم، فقد حافظت فيها إسرائيل على سيطرة شبه تامة، تشمل الصلاحيات الأمنية والصلاحيات المدنية المتعلقة بملكية الأراضي واستخداماتها، ومن ضمنها تخصيص الأراضي والتخطيط والبناء والبنى التحتية. وتتحمل السلطة الفلسطينية المسؤولية عن توفير الخدمات التربوية والصحية للسكان الفلسطينيين في منطقة (ج)، إلا أنّ البناء وصيانة البنى التحتية اللازمة لغرض توفير هذه الخدمات ظلّا تحت سيطرة الاحتلال 

وتعد سيطرة حكومة الاحتلال على المعابر الدولية مع كل من الأردن ومصر، من اكبر المعيقات التي تحول دون احداث تنميه اقتصاديه ونتيجتها التحكم الكامل بالاقتصاد الفلسطيني وإحباط تطوير المشاريع والقوانين وقطع الصلات مع العالم الخارجي ، وتفرض سلطات الاحتلال الاسرائيلي تقييدات شديدة على التوطين والبناء والتطوير الفلسطيني في المنطقة (ج)، وتتجاهل كليّاً احتياجات السكان الفلسطينيين. وتفرض عليهم العيش في ظروف سكنية غير مناسبة، من دون إمكانية تشييد البيوت وفق القانون وتطوير بلداتهم، مع تهديدات دائمة بهدم بيوتهم وإخلائهم واقتلاع مصادر أرزاقهم لصالح الاستيطان 

وعلى مدى سنوات الاحتلال، تسببت إسرائيل، وخلقت، بممارساتها الممنهجة، أزمة اقتصادية كبيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كان الهدف منها تعطيل كل فرصة تؤدي إلى قيام اقتصاد وطني، بل ووضع المعيقات التي تكرس التبعية للاقتصاد الإسرائيلي. وإضافة للمعيقات الناتجة عن التشوهات التي أحدثها الاحتلال الإسرائيلي، مثل مصادرة الأراضي، ومصادرة المياه، ومنع وتقييد استخراج الموارد الطبيعية، وربط العمالة الفلسطينية بالاقتصاد الإسرائيلي، ومنع تطوير مناطق (ج)، وتعطيل فرص الاستثمارات الأجنبية، بل وحتى المساعدات الدولية؛ تفرض السلطات الإسرائيلية قيوداً بالغة الشدة على إنشاء مشاريع جديدة، وترفض إعطاء الترخيص لعدد من المشاريع الصناعية المقترحة، التي تهدف من ورائها إلى منع إقامة صناعات من الممكن أن تنافس المنتجات الإسرائيلية المماثلة. وقد عطلت إسرائيل بقدر ما تستطيع كافة المشاريع الفلسطينية الهامة، أو أخرتها، كما جرى في مشروع ميناء غزة ومشروع مطار غزة الدولي، وقد زادت حدة الممارسات الإسرائيلية باستخدام وسائل حربية لتدمير المنشآت والمشاريع الفلسطينية، لعل منها ما حصل للمطار ولشركة كهرباء غزة التي دمرت بالكامل.

ومنذ منتصف عام 2002، شرعت إسرائيل بإقامة جدار فاصل في أراضي الضفة الغربية، وبناء عليه تمت مصادرة مساحات شاسعة من الأرض، وهي من الأراضي الزراعية الخصبة، التي تحتوي على خزانات المياه الجوفية، حيث تواصل إسرائيل نهبها للموارد المائية من خلال الإجراءات والسياسات المتنوعة التي تتبعها لتحويلها إلى داخل المستوطنات الإسرائيلية، حيث تقوم بتحويل 85% من موارد المياه الجوفية الفلسطينية إلى إسرائيل.

وقد أسفرت هذه السياسات إزاء الأراضي والمياه، عن تفكيك الوحدة الجغرافية للأراضي الفلسطينية، على أساس أن الوجود المكثف للمستوطنات الإسرائيلية جعل المدن الفلسطينية عبارة عن جزر معزولة عن بعضها، وتلتف حولها الطرق الجديدة التي تربط بين المستوطنات الإسرائيلية، كذلك الضعف الذي حاق بالقطاع الزراعي، إذ إن مصادرة الأراضي وتقليص حجم المياه عملا على رفع أسعار الأرض والمياه على نحو زاد في تكاليف الزراعة، الأمر الذي أدى إلى تقليص إمكانية الإنتاج الصناعي

ومن بين المعيقات الأخرى: سياسات الدول المانحة؛ حيث صُممت برامج المعونات التي يقدمها المانحون في ميدان التنمية في الأرض الفلسطينية المحتلة لتثبيت الصيغة القائمة (المختلة)، وتثبيت الاحتلال. وقد تبين أن تلك المعونات كانت تُلحِق الضرر بالفلسطينيين من خلال إسهامها في إرساء دعائم الاحتلال، والتماهي مع قوانينه واشتراطاته ،فمثلاً، حين يقترح المانحون مشروعاً ما، يضعون في الاعتبار الأول اشتراطات إسرائيل، وبدلاً من الضغط على إسرائيل لحملها على الموافقة على مشاريع مهمة مفيدة للفلسطينيين، لم تكن الدول المانحة تمارس أي ضغط، بل تستجيب لكل ما يمليه الاحتلال من شروط مجحفة.

وضعت السلطة الوطنية الفلسطينية منذ تأسيسها العديد من الخطط والبرامج التنموية والاقتصادية والاجتماعية في الأراضي الفلسطينية. وحاولت تلك الخطط التركيز على الاعتماد على الذات، والتحرر من تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي، وسعت لتوفير بنية تحتية ملائمة لعملية التنمية الاقتصادية، ومعالجة التشوهات الهيكلية الموجودة في البنية الاقتصادية الفلسطينية، ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة، وتوفير الخدمات الاجتماعية الملائمة كالتعليم والصحة والإسكان. وكانت تلك الخطط تصطدم دوماً بالبيئة المحيطة للتنمية التي فرضتها إجراءات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي ، وبالإضافة لمعيقات الاحتلال الإسرائيلي، التي تمثلت بشكل رئيسي في إجراءات الحصار والإغلاقات، والتحكم في المعابر والحدود، إلى جانب البنود المجحفة في بروتوكول باريس الاقتصادي، الذي يمثل الإطار المرجعي والمنظم للاقتصاد والعلاقات الاقتصادية للسلطة، خاصة مع إسرائيل، والذي لم يوفر صلاحيات كافية لصياغة السياسات الاقتصادية والتنموية الملائمة والداعمة لبناء مؤسسات الدولة، بل رسخ الآليات التي تكفل استمرار حالة التبعية مع الاحتلال الإسرائيلي. وثمة معيقات داخلية، تتعلق بالتخطيط والتنفيذ، وبعض المحددات الاجتماعية. لذلك فإن مستقبل التنمية في فلسطين مرهون بزوال الاحتلال الإسرائيلي، لكي يستطيع الفلسطينيون التحكم بمواردهم، والتي بدونها سيظلون رهينة المساعدات الخارجية والعجز الدائم في الموازنة وبالتالي بطء عملية التنمية

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

سفير الاعلام العربي في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية

سري القدوة يكتب : حرب الإبادة الجماعية والأزمات الداخلية الإسرائيلية

حرب الإبادة الجماعية والأزمات الداخلية الإسرائيلية بقلم  :  سري  القدوة الخميس 28 آذار / مارس …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *