الرئيسية / الآراء والمقالات / عائد زقوت يكتب : غزة في معركة بين الحروب

عائد زقوت يكتب : غزة في معركة بين الحروب

عائد زقوت

غزة في معركة بين الحروب

عائد زقوت 

منذ بدء تلاشي فكرة الوحدة السياسية بين القدس والضفة الغربية وقطاع غزة أو بما يُعَرف بحدود الرابع من حزيران 1967 لأسبابٍ عديدة أهمها الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة من طرف دولة الاحتلال، والذي جاء الانقسام الفلسطيني ليؤكد عليه ويعززه ويجعله أمرًا واقعًا، ليحقق للمحتل أسمى ما تمنى بعد جريمة إعلان دولتهم وإحراقهم للمسجد الأقصى، فقد نجح الفلسطينيّون في إعفاء الاحتلال من تحمّل مسؤوليّاته في فشل العمليّة السياسية العقيمة والتي أغرى فيها الفلسطينيين بالوحدة السياسية بين المناطق الثلاث لإقامة دولته الفلسطينية المنشودة عليها والتي من أجلها دفع الفلسطينيون ثمنًا باهظًا أتاح للمحتلين المزيد من التمدد في عمقنا العربي والإسلامي سياسيًّا واقتصاديًّا، وليس هذا فحسب بل استمر نزيف التنازلات مما مكَّنَ دولة الاحتلال من الاستفراد بالمناطق الثلاث ووضع منهاجًا لكلٍ منها، ولكنَّ المشهد الأكثر وضوحًا وتجليًّا تمثل في إدارة الاحتلال لملف غزة بعد سيطرة حركة حماس عليه، والذي اعتمد على الحفاظ على حالة الانقسام وفصل أي حوار حول غزة عن التمثيل السياسي الرسمي للفلسطينيين ممثلًا بمنظمة التحرير الفلسطينية وجهازها الإداري في الأراضي المحتلة عام 67 فيما اصطُلِحَ على تسميته بالسلطة الفلسطينية، وذلك لعدم إضفاء أي صبغة سياسية لأي تفاهمات حول ما يدور في غزة وذلك لتعزيز وقتل مبدأ الوحدة السياسية بين المناطق الفلسطينية وتقويض فُرَص انشاء دولة فلسطينية، وفرض هيمنته على القدس ومقدساتها ، حيث عمِدت دولة الاحتلال لترسيخ سياساتها بشنّ هجوم عسكري على غزة عام 2008 بهدف إضعاف حركة حماس دون جَزْع شأفة حكمها في غزة، وهكذا توالت الأحداث مرورًا بالثورات في معظم دول العالم العربي، والتي أعطت الأمل لتيّار الإسلام السياسي للتربّع على الحكم، وما خَلَّفَه ذلك من نزاعات عربية عربية ودخول حركة حماس في تحالفات ومحاور إقليمية مساندة لتيار التغيير، مما زاد عزلة غزة وضاغف هُوّة الاختلاف بين الفلسطينيين، وفي خضم هذه الأحداث كان عدوان 2012 الاحتلالي الغاشم على غزة، حيث أرسى قواعد العلاقة بين الاحتلال وحركة حماس في غزة وذلك بتطبيق مفهوم الهدوء مقابل الغذاء بما يتطلّبه من خدمات لوجستية، واستمرت علاقة الاحتلال مع غزة على هذا المنوال حتى عدوان 2014 والذي أتى على الأخضر واليابس حيث أراد الاحتلال تعزيز قوة الرّدع وإبقاء حماس تحت السيطرة، وأرادت حماس تغيير أوراق اللعبة بما ينسجم مع المستجدّات الناتجة عن الثورات العربية، إلا أنّه ورغم تطور الأداء العسكري والبلاء النوعي في مواجهة الاحتلال فإنَّ نتائج العدوان لم تأتِ بجديد من الناحية السياسية، وتوقف العدوان على قاعدة العودة إلى تفاهمات 2012، وفي هذا السياق أظهرت حركة حماس قدرتها على امتصاص ردة الفعل الشعبية من خلال تغيير توصيف دلالة المفردات، وتحويل الأنظار إلى الشأن الداخلي، لتبدأ مرحلة جديدة معتمدة على نظرية الاحتمالات، والخطأ والصواب، فخاضت مرحلة جديدة من محاولات المصالحة الداخلية إلا أنها وكالعادة باءت بالفشل وذلك لتعاملها مع المصالحة كورقة لإدارة الأزمة وليست هدفًا استراتيجيًا، ولأجل تحريك المياه الراكدة خاضت الحركة معركة جانبية من خلال مخيمات العودة والتي توقفت بعد تفاهمات بوساطة قطر والتي مهّدت الطريق لدخول المنحة القطرية ليحل الهدوء وصولًا إلى عدوان العاشر من آيار 2021 والذي سطَّرت فيه المقاومة فصلًا جديدًا من التطور والتميز على صعيد المواجهة العسكرية أساءت وجه المحتل وأربكت حساباته، إلا أنَّ الحروب والمعارك تقاس بنتائجها السياسية وما يحرر من الأرض وما يمكن البناء عليه للخروج من دائرة إلى أخرى متقدمة بمراحل عن سابقاتها على طريق التحرير، وحيث أنّ منهاجيّة تجريب المجرَّب هي المسيطرة على أصحاب القرار فأعادتنا إلى المربع الأول على صعيد المواجهة مع الاحتلال فبدلًا من استثمار الإنجاز في ميدان القتال لجهة تصويب الوضع الداخلي، وإنهاء الانقسام وتعضيد الموقف الفلسطيني الجامع لنتمكن من مواجهة تصفية القضية الفلسطينية، وإفراغها من بعدها السياسي وحصرها في القضايا الإنسانية، نجد سلوكًا يعبر عن الرغبة في الانقضاض على الآخر، ومحاولة توجيه الإنجاز لصالح الرؤية الحزبية والفئوية، هذا على صعيد العلاقة الفلسطينية البينيّة، وأما على صعيد المواجهة مع الاحتلال الذي يملك أوراق اللعبة على أكثر من اتجاه ويؤثر في توجهات السياسة الدولية التي جعلته قادرًا على عدم تمكين الفلسطينيين من الشعور بالنشوة عقب أي إنجاز سياسي أو عسكري، وبالتالي يعود بالوقائع إلى الوراء، مما دفع حركة حماس لخوض معركة جانبية جديدة من أجل إعادة الأوضاع إلى ما قبل عدوان العاشر من آيار لهذا العام، وفيك هذا الإطار ستصل المباحثات الجارية حاليًا بوساطة مصر وقطر إلى مبتغاها بغضّ النظر عن الشكل الذي ستكون عليه، وهكذا سنستمر في الدوران في حلقة مفرغة ودالة أُسيَّة هابطة متناقصة، مما يتيح الفرصة للاحتلال بالاستمرار في حالة التفرد بالفلسطينيين، وتنفيذ أجنداته التصفويّة في المنطقة والإقليم، إنًَ الاستمرار في هذا النهج، وافتئات وعي الجماهير و الإصرار على المضي قُدُمًَا بهذا الأسلوب في العمل ضار بالصحة الوطنية وحتمًا سيؤدي إلى الموت، فمتى سنفيق من هذا السبات، ونخرج من هذه المرحلة الهزيلة العجفاء، ونعيد للشعب وحدته وقوته وكرامته السليبة، وذلك بالانصهار مع الشعب وقضيته الوطنية فقط وفقط لا غير.

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

سليم الوادية

اللواء سليم الوادية يكتب : ياسامعين الصوت ،، الاباده الجماعيه في العالم

ياسامعين الصوت ،، الاباده الجماعيه في العالم بقلم سليم الوادية  عبر التاريخ الدول الاستعماريه مارست …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *