الرئيسية / الآراء والمقالات / د. مونتجمري حور يكتب : أردوغان يستبدل قطاع غزة والإخوان بأفغانستان

د. مونتجمري حور يكتب : أردوغان يستبدل قطاع غزة والإخوان بأفغانستان

مونتجمري حور

أردوغان يستبدل قطاع غزة والإخوان بأفغانستان

بقلم: د. مونتجمري حور
كلما طفى للسطح موضوع سياسي جديد يتعلق بقضيتنا أو منطقتنا، أتذكر الخطاب الأخير ليحيى السنوار، قائد حركة حماس في غزة، الذي آثر إلقاء خطاب مهم بشكل ارتجالي دون أن يدون في ورقة حتى رؤوس أقلام لما أراد الحديث عنه فكان خطاباً عاطفياً غير متزن من الناحية السياسية والدبلوماسية وحمل كثيراً من المعلومات التي احتاجت لتسليط الضوء عليها، وبالأمس خرجت حركة حماس ببيان متسرع باركت فيه ما أسمته “انتصاراً للمقاومة الأفغانية التي استمرت عشرين عاماَ”. بالعودة إلى خطابه الأخير، بدا واضحاً للجميع أن شكر السنوار وثنائه انصب وتركز على الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأنه قدم شكراً عابراً لتركيا.
بشأن التطورات الأخيرة وانسحاب قوات الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي من أفغانستان، تطرق الجميع إلى الاتفاق الذي أبرمته واشنطن مع حركة طالبان العام المنصرم 2020 في العاصمة القطرية الدوحة في شهر فبراير عام 2020 والذي نص على انسحاب الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو خلال 14 شهراً وبحسب المصادر الأمريكية فإن حركة طالبان هي من سعت لذلك.
على أية حال، يسلط هذا المقال الضوء على حقيقة ما يجري على الأرض من زاويه أخرى لم يتم التطرق لها ألا وهي دور تركيا الأساسي والمؤثر في أفغانساتان وكيف لها وهي دولة تتبع لحلف شمال الأطلسي “الناتو” أن تلعب دوراً مهماً في أفغانستان ولإبراز وجهة النظر هذه سأتناول استغلال أو لنقل استخدام الجمهورية التركية للدين والعرق والقومية في نسج علاقاتها مع بعض الدول تحديداً الدول الإسلامية، وسأقدم تفسيراً على عجالة لسبب فتور العلاقة بين حركة الإخوان المسلمين عامةً وحركة حماس خاصةً مع الجمهورية التركية. وللتأسيس لمقالات قادمة، تجدر الإشارة أن عمل تركيا ونشاطها لا يقتصر فقط على أفغانستان وسأتناول أفغانستان كمثال الآن بسبب التطورات الأخيرة فيها وسيطرة حركة طالبان عليها باتفاق شامل ومفصل.
تجد تركيا نفسها دائماً محاطة بجيران لا تربطها بهم قواسم مشتركة، لذلك عملت على استبدال تأسيس تحالفاتها مع الحكومات الوطنية والقومية بإنشاء تحالفات على أساس ديني مع القوى السياسية التي تُقدِم الانتماءات الدينية على القومية والوطنية مثل حركة الإخوان المسلمين ومنها حركة حماس، أو القومية والدينية كما هو الحال في أفغانستان.

المسبحة الإسلامية التركية في مصر:

لترسيخ التحالف بين تركيا وحركة الإخوان المسلمين، سمحت السلطات التركية مثلاً بتحول تركيا إلى غرفة لعمليات الإخوان المسلمين ضد النظام المصري الذي تمخضت عنه ثورة 30 يونيو 2013 وبفوز حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين في مصر، أخرج “الخليفة” رجب طيب أردوغان مسبحته الإسلامية وسعى لتعزيز العلاقات التركية المصرية باستخدام الروابط والأواصر الدينية التي تربط تركيا بالشقيقة مصر، وبقرار الأشقاء المصريين بإسقاط حكم الإخوان المسلمين في مصر، استنفر النظام التركي وسعى في كل الاتجاهات لاعتبار ما دار على أنه انقلاب وسعى جاهداً لاستثمار هذا الطرح وتمريره دولياً ولعبت تركيا وقتها دوراً وفياً لقادة جماعة الإخوان المسلمين فاستقبلتهم في تركيا وقدمت لهم كل شيء. انتبه أشقاؤنا المصريين للمحاولات التركية التي اعتبروها زعزعة للأمن في مصر وجابهوها مستخدمين كل الكروت المتاحة أمامهم ومن ضمن أقوى الكروت التي استخدمتها القاهرة كانت مشاريع الطاقة المكتشفة في المنطقة وبذكاء مصري لم تقف القاهرة مكتوفة الأيدي وانطلق دبلوماسيوها نحو اليونان وايطاليا وأبرموا معهما اتفاقات تعاون في مجال الطاقة مما أحدث ارباكاً للجمهورية التركية، وفي المقابل، تحركت تركيا نحو ليبيا ونجحت مع جكومة السراج في إعادة تحديد حدودها المائية بطريقة رأتها مصر ودول المنطقة غير قانونية، وبذلك أصبحت تركيا أحد معيقي مشاريع الطاقة في المنطقة وسأتناول ذلك بالتفصيل لاحقاً حين أتناول العقلية السياسية للجمهورية التركية التي قدمت نموذجاً لا ينكر أحد أنه نموذج معتبر في حرب العقول إقليمياً ودولياً.
أشرت في مقالات سابقة إلى التحالفات التي تم إبرامها بين دول المنطقة، وتركيا هي الدولة الوحيدة التي لا يجرؤ باحث على القول أن هذه التحالفات هي ضد تركيا بالمطلق لأنها استطاعت أن تجمع بين المتناقضات السياسية

. وما أسعى لتسليط الضوء عليها في مقالي هذا أن الخليفة رجب طيب أردغان لم يعد خليفةً إسلامياً في منطقتنا، ويبدو أنه تراجع عن مواقفه بشأن مصر وقطاع غزة، فسارع إلى إعادة المسبحة الإسلامية إلى جيبه وأخرج كتب القانون والعلوم السياسية وبدأ يعمل وفقها والآن بدأ يسعى لاستعادة العلاقات مع مصر وفق ما تقتضيه المصلحة التركية العامة بعيداً عن الدين كقاسم مشترك. تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أهمية هذه المسبحة التركية الإسلامية فتدارست الأمر مع حليفتها التركية التي هي أحد أعضاء حلف شمال الأطلسي “الناتو” وبحثت معها عن دور تراه الولايات المتحدة أهم في هذه الفترة ألا وهو عودة استخدام المسبحة التركية الإسلامية في أفغانستان وبنت على خطوات اتخذتها تركيا على مدار سنوات طويلة في هذا الجانب وأقصد عدة دول من بينها أفغانسان وسأتناول باقي الدول في مقال لاحق حين تسنح الفرصة بحدث يطفو إلى السطح. وتجدر الإشارة أن تركيا الآن تسعى لتعزيز علاقتها مع مصر متمثلةً بنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورد القاهرة للآن أنها تريد افعالاً لا أقوالاً من الحكومة التركية.
يبدو أن يحيى السنوار قبل خطابه كان يعلم أن اردوغان لم يعد خليفة للمسلمين في جمهورية مصر العربية وقطاع غزة وأن تركيا أدارت ظهرها نسبياً لحركة الإخوان المسلمين بعد فشلها في مصر وهي أحد الأسباب التي دفعت حركة حماس وعلى لسان قائدها يحي السنوار للإشادة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تشهر هي الأخرى مسبحتها الإسلامية الشيعية في منطقتنا، تجاه لبنان وسوريا وقطاع غزة تحديداً.

المسبحة الإسلامية التركية في أفغانستان:

كما ذكرت سابقاً، تدرك تركيا أنها تعيش في وسط لا تربطها به روابط تدفعه للانتماء لها أو تقبلها بصورة كاملة، فبحثت منذ عقود عن كل الدول التي تربطها بها روابط دينية او عرقية أو كليهما ومن بين هذه الدول كانت أفغانستان. انتبهت تركيا إلى تجذر العلاقة بين أفغانستان والإمبراطورية العثمانية ومن ثم علاقتها بتركيا الحديثة في التاريخ خصوصاً علاقتهما في القرن العشرين. بمجرد سقوط حركة طالبان في أفغانستان، تنبهت تركيا إلى مصالحها القومية هناك وعملت على إرسال جنودها إلى أفغانستان عام 2001 وساعدها في ذلك عنصران أساسيان هما: الغالبية السنية المنتشرة بين الأفغان من ناحية والأقلية من الأوزبك والتركمان الذين يعيشون هناك. ركزت تركيا دعمها على الأقلية من الأوزبك والتركمان الذين لا يزالوا يتحدثون اللغة التركية وأقامت لهم مدارس تركية-أفغانية وأمطرتهم بمنح دراسية وغيرها من أشكال الدعم، وقد نجحت تركيا في تعزيز مكانتها وقوتها في تلك الدولة باستخدام القوة الناعمة. ولسنوات طويلة، ساهمت تركيا في عدة مناسبات إلى التقريب في وجهات النظر بين القوى الأفغانية وتحديداً الإسلامية منها فعلى سبيل المثال، سعت لتقريب وجهات النظر بين حزب الجميعية الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين كما سعت إلى افتتاح قنصليات لها في هرات وقندهار وأبقت على تواصل مع حركة طالبان وحزب الجميعة الاسلامية الأفغاني والحزب الإسلامي. وللعلم، نشاط تركيا في أفغانستان تباركه الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. بموجب ذلك كله، تعمل تركيا على قيادة القومية التركية أينما وجدت ووصل الأمر في أفغانستان الآن إلى مناطحة دول منها دول عظمى ذات مصالح في أفغانستان كالهند وروسيا والصين وجميعها لا تسعى لخسارة تركيا.
والخلاصة، التواجد العسكري التركي في أفغانستان لا يعني انسحاب مطلق لحلف الناتو من أفغانستان وقد راهنت الولايات المتحدة الأمريكية على إعادة حركة طالبان لتتصدر المشهد وسط تعهدات من الحركة بعدم جعل أراضيها نقطة انطلاق لأي هجوم ضد أي دولة وإجراء تعديلات أخرى، ووسط تواجد تركيا الحليفة للولايات المتحدة الامريكية التي ستعمل على ضبط أفغانستان من خلال علاقاتها ونفوذها في باكستان وقطر وغيرها من الدول . بالاضافة إلى ذلك، إن وصول حركة طالبان لسدة الحكم في أفغانستان يعني قطع يد إيران في تلك المنطقة التي عملت سابقاً على إيواء عناصر حركة طالبان فوق الأراضي الإيرانية، وإيران الآن أكثر الدول قلقاً من هذه التطورات.
لقد استبدل أردوغان حركة الإخوان في مصر ومعه حركة حماس في قطاع غزة بأفغانستان بدور متفق عليه مع الولايات المتحدة الأمريكية وبمباركة أوروبية وسط سخط وتخوف إيراني وترقب روسي وصيني، فما الذي باركت عليه حركة حماس؟!
أنصح القيادة الفلسطينية بأن تتحرك نحو تركيا وأن تزيد العيار في ذلك وأتوقع أن الوقت قد حان لأن تلعب الدبلوماسية الفلسطينية دوراً جوهرياً في تقريب وجهات النظر الإقتصادية بين مصر وتركيا، وسأسعى لإبراز هذه الأهمية في كل مقال لاحق أستهدف فيه تركيا.

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عضو نقابة اتحاد كُتاب، وأدباء مصر
رئيس ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسـطين

د جمال ابو نحل يكتب : أيقونة سلاطين هذا الزمان فخامة سلطان عُمان هَيثمُ الهُمام

أيقونة سلاطين هذا الزمان فخامة سلطان عُمان هَيثمُ الهُمام من عاش لشعبه، ولِوطنه عاش كبيرً، …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *