الرئيسية / الآراء والمقالات / د. مونتجمري حور يكتب : الانقسام الأكبر يلوح في الأفق

د. مونتجمري حور يكتب : الانقسام الأكبر يلوح في الأفق

مونتجمري حور

الانقسام الأكبر يلوح في الأفق
بقلم: د. مونتجمري حور

تحدثت في كل مقال سابق عن نقطة معينة ولو جمع القارئ هذه المقالات أعتقد سيصل لحقيقة ما يدور وسيكون ملماً بالتفاصيل العامة بل والإجراءات الخاصة. أسعى من خلال هذه الكتابات أن أكون أكاديمياً متمرداً على حالة التغييب المقصودة لنا كفلسطينيين والتي ينتهجها الجميع دون استثناء، حكومات وفصائل ولا أستثني أحداً، وأؤكد على أهمية شحذ همم زملائنا الأكاديميين للكتابة بحرية وبجرأة أعلى وإضافة لون جديد لصحافتنا الفلسطينية بتقصي حقائق الأمور وخباياها وتقديمها على هيئة آراء متنوعة للجمهور الفلسطيني. قد تصيب هذه الآراء وقد تخطئ، ولكنها حتماً ستثري صحافتنا الغراء وستزيد من الوعي الجماهيري وستضع أهلنا في صورة ما يدور. ألا تلاحظون أن كل كاتب يطبل لحزبه، وبين هذا وذاك ضاعت الحقيقة وتهنا كشعب وأكثر دعاء فلسطيني يردد هو “ربنا يوليها للصالح” وكأننا تائهون.
الإسرائيليون أكثر وضوحاً منا والمتابع لصحافتهم مثلاً، يرى ببساطة شديدة أن ما يقدم للجمهور الإسرائيلي يومياً هو حقيقة ما يدور مما يشكل فهماً سياسياً عاماً وواقعياً لدى الجمهور الإسرائيلي على المستوى القريب أو المتوسط، فما يقدم هو بنود اتفاقات أبرمتها تل أبيب هنا أو هناك، ناهيك عن الرأي والرأي الآخر، وبموجب هذا الفهم الحقيقي يشارك الجمهور الإسرائيلي ومعه الأحزاب الأسرائيلية بفاعلية كبيرة بما يجمع عليه الغالبية. أما نحن فما يقدم لنا هي أخبار منتقاة على حسب مصلحة حزب ما أو مجرد تطبيل يكون محتواه في أغلب الأحيان تافهاً أو مضللاً ، أو خطابات رنانة موجهة يغلب عليها طابع العاطفة الوجدانية تخلط الحابل بالنابل وتسيطر على عقول البسطاء والعاطفيين ويتبناها المنتفعون، مما أحدث فصلاً حقيقياً بين الجمهور الفلسطيني وواقعه.

تصريحات ملفتة للانتباه أطلقها قبل يومين وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد من المغرب وهي تكرار للإعلان عن تحالف أُنشئ في المنطقة وقال حرفياً أن ” إسرائيل تعمل على تشكيل محور من الدول المعتدلة ضد إيران ووكلائها في المنطقة” واستطرد قائلاً “من الناحية الإستراتيجية، ما ننشئه هنا هو محور دبلوماسي يضم إسرائيل والمغرب ومصر والأردن والبحرين والإمارات العربية المتحدة لتقديم بديل براغماتي للتطرف الديني الإيراني”.
في سياق متصل، أُعلن في 2019 عن تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF) وفي عام 2020 تحول إلى منظمة حكومية دولية مقرها القاهرة تضم قبرص ومصر واليونان وإسرائيل وأيطاليا والأردن وفلسطين كما ذكرت في مقال سابق، ويتيح الميثاق الموقع بين هذه الأطراف تسهيل استغلال موارد الغاز الطبيعية لهم جميعا. في المقابل تعلن حركة حماس، أنها حليفة إيران وتغنت بذلك على لسان قائدها يحيى السنوار، وزارها مؤخراً اسماعيل هنية وهو أحد أبرز قادتها. هذا التحالف جدير بالدراسة وهي دعوة نوجهها لجميع المتخصصين من رجال دين وسياسيين وعسكريين واقتصاديين بتقديم حقيقة العقيدة الإيرانية ومكانة إيران الدولية وفرص نجاحها في مخططاتها. ما نلاحظه أن إيران أينما حلت، حل الدمار والتشرذم وأعادت مناطقها المستهدفة إلى القرون الوسطى وخير دليل العراق وسوريا واليمن في حين لم تصب إيران بأي أذى عسكري يذكر. تدفع إيران الأموال لحروب تنجز بالنيابة عنها ونرى حماس وكلائها وهم يتحدثون عن المقاومة فما مدى واقعية ذلك؟!
بشأن ما يتعلق بقطاع غزة وبتحالف حركة حماس العلني مع إيران، يمكننا القول أننا كنا بتناقض واحد هو التناقض الموجود داخل منظمة التحرير الفلسطينية وجاءت حركة حماس لتثقل العبء لنصبح بتناقضين شكلا أزمة في القرار السياسي الفلسطيني. لا يوجد فلسطيني واحد لا يحلم بإحقاق الحقوق الفلسطينية والوصول لحلم الدولة ورفع العلم الفلسطيني خفاقاً في سماء بلادنا ولكن هل ممكن أن يتم ذلك بالتخلي عن عمقنا العربي والسؤال الذي أطرحه مستنكراً: هل يمكن للمشروع الإيراني أن يحل محل المشروع العربي؟! هل يمكننا أن نعيش منفصلين عن محيطنا العربي كمصر والأردن؟! عودوا للتاريخ وأجروا أبسط أنواع المقارنات وتخيلوا جنود مصر والأردن البواسل الذين قدموا التضحيات فوق ثرى فلسطين. هل سنستبدل نحن الفلسطينيون، تحديدا أهل غزة، دماء المصريين والأردنيين ومعها عمقنا العربي بالمال الإيراني؟
أكرر للقيادة في رام الله، إن طريقة تعاملنا مع الملفات الثقيلة التي تثقل كاهلنا وكاهل أهلنا في فلسطين وتحديداً في قطاع غزة لا ترتقي للمستوى المطلوب فقد يتم اتخاذ قرارات شعبوية خاطئة نتيجة حالة التغييب المقصودة، ومن يؤمن بفكرة أو استراتيجية فليدافع عنها علانيةً، وحالة الصمت المطبق التي تنتهجها السلطة الفلسطينية يضعها في خانة المساءلة الشعبية. اقتربوا من الناس ليلتفوا حولكم وجابهوا مخطط فصل قطاع غزة بقوة أكبر. يجب إزالة الضبابية السائدة واتخاذ القرارات السليمة كما يجب علينا الإجابة عن عدة تساؤلات ومنها: تعريف إسرائيل هل هي عدو أم صديق أم حليف أم جار أم مغتصب؟ هل سنبيدها كفلسطينيين أو سنتعايش معها؟ ما هو البرنامج السياسي الذي يجب علينا اتباعه؟
حركة حماس تذهب بقطاع غزة نحو فصله تماماً عن الضفة الغربية من ناحية وعن دول الإقليم من ناحية أخرى وهذا ما تسعى إليه إسرائيل بل هو أمنية لها وبمراجعة كافة الاتفاقات نتحدى أي متخصص أن ينفي ذلك وما يجعل الأمر مخفي للآن هو أن الدول في عالم السياسة لا تميل إلى الجزم القاطع في التعامل مع القضايا السياسية، وسيصبح أهلنا في قطاع غزة مواطنين من الدرجة الثانية بل الثالثة وهذا هو الانقسام الحقيقي. بعد ايضاح الأمر لأهلنا، على الجميع الوقوف عند مسئولياته وعلى قطاع غزة أن يقول كلمته الفصل خاصةً بعد أن أثقل الجميع كاهله بجملة من تحديات ظالمة وبتغييب أهله عن حقيقة ما يدور في الخفاء كالتحالفات التي تدور هنا وهناك.
أما على الصعيد الإعلامي، نقول للقيادة الفلسطينية في رام الله أننا لسنا دولة للآن واطلاع الشعب على ما يدور أضحى ضرورة وطنية. لقد ضاع وقت كبير بترك المايكروفون لينفرد فيه آخرون ليبثوا ما يشاؤون من الأفكار التي سرعان ما ستتحول إلى اعتقادات راسخة. لابد من أن تنقشع الغشاوة عن الكثيرين ليشاهدوا الحقيقة المجردة، وإلا فإن القادم هو الدخول بقطاع غزة في نفق مظلم لا آخر له، وأبسط هذه الحلول هي اضفاء شرعية على حكم حركة حماس لقطاع غزة وأقول بكل ثقة ومسئولية أن ما يدور على الأرض وعلى رأسه مواقف حركة حماس يتساوق مع الخطط المستقبلية القادمة لقطاع غزة بعد أن يتم انهاكه تماماً.
ليفهم الجميع أن مصر وغيرها من الدول لديها حقول ضخمة من الغاز الطبيعي وذكرت سابقاً أنها تنفرد في امتلاكها لمحطات تسييل الغاز في المنطقة وهي تسعى في كل الاتجاهات لتصدير هذا الغاز واستكمال مسيرة البناء التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والتي أؤكد أنها مساعٍ جادة وحقيقية وستثمر قريباً وما يطلقه البعض من اشاعات مغرضة حول هذا التقدم، ما هو إلا مجرد هراء هدفه التشويش فقط. وأعود لأكرر أن في دراسة الموقفين التركي والإسرائيلي كثير من العبر والدروس التي يمكن استخلاصها وتحديداً الموقف التركي.
اتخذت حركة حماس قرار الانقسام الأصغر بالانقلاب الذي قادته في قطاع غزة عام 2007 والذي أسفر عن مقتل واصابة الآلاف ولم تجرؤ أي قناة اخبارية محلية أو دولية على نقل أحداث ما جرى ولن أتحدث عن التدمير الذي ألحقه الإنقسام الأصغر بالشعب والقضية فجميع أهلنا تحديداً في قطاع غزة يرون حقيقة ما يدور خيره وشره ويرون حالة التردي التي أنهكتنا. ورغم ذلك كله، أوكد أننا لا زلنا غير منقسمين بمراجعة الجهود التي حدثت على الأرض وأن الفرصة لا تزال سانحةً أمامنا لاتخاذ قرارات فلسطينية وطنية محسوبة، على الجميع أن يراجع مواقفه وتحالفاته التي أجراها وأعتقد أن مجرد الحفاظ على المشروع العربي وعمقنا العربي هو أكبر انتصار نحققه في هذه الفترة الحرجة.

لقد قفزت إسرائيل للقمة في المنطقة واستفادت من كل ما يدور، كل شيء وظفته لصالحها بذكاء ودهاء شديدين. وفي هذه الفترة الحرجة، نطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يغطينا على الأقل في هذه المرحلة أكثر وأكثر بالعباءة المصرية التي تغطى بها رمزنا الراحل ياسر عرفات بالكامل فقرار الخروج النسبي من تحتها لم يكن قراراً صائباً بصورة مطلقة وعلى حركة حماس في المقابل أن تراجع قرارها بالتغطي بالعباءة الإيرانية ونذكرها أنها لا تعدو حركة كونها حركة فلسطينية وأنها ليست دولة مستقلة وأن فلسطين أكبر من الجميع وحركة حماس تعلم أن القضية الفلسطينية بالغة التعقيد وفيها الكثير من التفاصيل وحلول القوالب الجاهزة لا تنفع والاستمرار في إصدار الأحكام على أسس طائفية أو مذهبية أيضاً لا ينفع في وقت تجمع فيه العديد من الدول العربية والإسلامية على أن إيران هي عدو حقيقي لها وقد شكلوا تحالفات لمجابتها والقضية الحالية هي مشاريع الطاقة.
للان لسنا منقسمين ولكن الانقسام الأكبر والحقيقي يلوح في الأفق وعلى الجميع الوقوف عند مسئولياته فالأمر يتعلق بفلسطيننا وقدسنا ومستقبلنا ومستقبل أولادنا. إن تمرير مخطط فصل قطاع غزة أو إقامة إمارة غزة هو عار سيلاحق الجميع، والسؤال البسيط الذي يطرح نفسه بين هذا وذاك: لو قررت إيران مهاجمة ناقلة غاز مصرية مثلا في أو خط غاز مصري في عرض البحر، هل ستهاجم حركة حماس هذه الناقلة أو هذا الخط بالنيابة عن إيران؟! ولو حدث خلافاً بين إيران والأردن، هل سنقف نحن الفلسطينيون مع الإيرانيين ضد أشقائنا الأردنيين؟! مالكم كيف تحكمون!

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

سليم الوادية

اللواء سليم الوادية يكتب : مسيلمه الكذاب ونتنياهو الاكذب ،،

ياسامعين الصوت ،، بقلم  اللواء سليم الوادية  مسيلمه الكذاب ونتنياهو الاكذب ،، زمن الرسول محمد …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *