الرئيسية / ادب وثقافة / سليم النجار يكتب : المراة الفلسطينية السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت

سليم النجار يكتب : المراة الفلسطينية السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت

المراة الفلسطينية

السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت
الحلقة التاسعة
الجوع بشرى فوق سارة
سليم النجار
أخذ والدي يهجر اصدقائه في المقهى في شارع الدبوس ؛ ويأنس لوحدته ويخلو بها ويسايرها مع ذكرياته عن قريته صبارين ؛ بعد أن دخل على حياته الضيف العجيب ؛ آخذ يستبد به ؛ الدَيّن ؛ رغم محاولاته المتكررة صرفه عن قاموسه ؛ لكن ماذا يفعل امام ألحاحي اريد ” بفك ” – ” شبس ” هذه الأيام ؛ فهو لا يملك ثمن ما طلبت ؛ هذه المرّة الأولى في حياته ؛ يستدين ؛ وبعد ان توكل على الله ؛ ذهب للبقالة واستدان ثمن ” البفك ” لتلبية حاجة ابنه الوحيد ٠
شُغل والدي بفكرة الإستدانة وشُغف باستماع اليرغول ؛ هروباً من هذا الضيف الثقّيل واجتمع مع والدتي لوحدهما بعيدا عنّا نحن اطفاله ٠٠٠ وبقي هذا الأجتماع سِرّ من اسرارهما ؛ والذي يلقي نظرة على فهرس أيامه في الفحاحيل ؛ فلم تتوقف عملية الأستدانة لحَدْ مطالبي ؛ بل توسعت مع الأيام وتنوعت بأشكال مختلفة ؛ فالبياع اليمني دخل على الخط ؛ الذي كان علامة من علامات الفحاحيل ؛ وعموم الكويت ؛ وكان يٌطلق عليه بياع ؛ يرصرخ بأعلى صوته لدرجة ان حنجرته تحتج على هذا الإسراف في استخدام الأحبال الصوتية ؛ يلف على البيوت ؛ وهو في الاصل يعرفها بيت بيت ؛ وعنده دفتر صغير يسجل الدّين على الهوانم ٠
يُفتتح الحوار بين الطرفين بطريقة غير ديمقراطية ؛ البياع اليمني صاحب اليد الطولى وكيف لا وهو صاحب الدّين ؟ والهانم اقل مرتبة منه ؛ تستدين فلا حق لها الأعتراض ؛ فهي في امس الحاجة له ؛ ولاقمشته ؛ وبعد ان تقسم الغظ الإيمان انها ستدفع كل الدّين في المرّة القادمة ؛ يبدا البياع بعرض بضاعته بعد ان ينزل السرّة التي يحملها على ظهره ؛ وتبدأ المفاوضات ؛ وقد تستمر لأكثر من ساعة ولا يفطع حبل المفاوضات إلا عندما تتذكر الهانم ان ازف وقت تحضير الغذاء ٠٠٠
إن الجهاد الأكبر في إقناع الذكور ٠٠٠ اطفال حارة سوف الصباح ؛ ان الرجال لا يشترون ملابس للعيد ؛ بل البنات هم فقط لهم هذا الحق ؛ وهذا ما أكد عليه جارنا ابوجمال ؛ علماً لا يوجد عنده بنات ؛ وكل ما عنده ذكور٠
افتتح الأستاذ فايز مدرّسنا في مدرسة عثمان بن عفان الأبتدائية ؛ وكسر حالة الأحتكار لمنهة البياع ؛ وشبت منافسة شديدة بين الأستاذ واليمنيين ؛ الذي خسر في نهاية الامر المعركة ؛ فلم يعد البياع اليمني يطالب بالدّين من الهوانم كالسابق ؛ الأستاذ فايز كان يرفض الدّين ؛ ويردد انا اشتغلت هذه الشغلة ؛ من اجل تساعدني على الحياة ؛ فراتب منظمة التحرير الفلسطينية لا بكفي ؛ دنانير معدومة ” ٣٥ ” ماذا تفعل في ظّل هذا الغلاء الفاحش ؟
الأستاذ فايز قوي البنيان فياضّ الخيال بارع التصوير ؛ يوضّح لنا نحن طلاّبه لماذا أقبل على هذه المهنة ؟ ويردد على مسامعنا أنا غريق الفقر كابر عن كابر ؛ وإلا لماذا حضرت للكويت ؟ في الصباح بياع ومساءً مُعلماً في مدارس منظمة التحرير الفلسطينية ٠
كان كثير الألحاح علينا ؛ ويطالبنا بشكل يومي الطلب من اولياء أمورنا دفع الأقساط الدراسية ؛ التي لا تتجاوز في كل فصل خمسة عشر ديناراً عن كل طالب ٠ حتى يستطيع استلام راتبه الشهري بشكل منتظم ؛ الكثير من الأهالي يتقاعسون عن الدفع ٠٠٠ ولكلٍ اسبابه ٠٠٠
ارتفع موج الغضب بين اولياء الأمور في الفحاحيل ؛ لإنتشار خبر كالنار في الهشيم ؛ ان البعض لا يدفع قسط اولاده ؛ لعلاقاته المميزة مع الشباب العاملين في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية ؛ وحين تنوح الحاجة بغير شكوى ولا شكر ؛ يُطرد الطلاب من الطابور وامام زملائهم والمدّرسين ؛ على شكل حفلة تنكرية ؛ لأن اولياء امورهم لم يدفعوا الاقساط ؛ ويعطوا اولادهم الوصل الذي يثبت صحة الدفع ٠
رُبَّ هارب من بلاء إلى الذهاب للمدرسة ؛ وفارَّ من تسليم وصل الدفع كما كنت افعل ؛ من اجل طردي والذهاب للبحر ؛ ولكن رب العباد كشفني ؛ وبيعداً عن التفاصيل ؛ لم اعد أكرر هذه الفعلة ٠
بعد اذن التفاح الأخضر واشتر أذناً اخرى خذه النجوى لأيامه ؛ حضوره كل أخر شهر ؛ عند استلام الوالد راتبه الشهري ؛ تُقام الأعراس في بيتنا ؛ وكل بيوت حارة سوق الصباح ؛ فالتفاح الأخضر الأمريكي هو الجامع لإعراسنا وأفراحنا وهيبتنا ؛ في ظل رفض والدي ووالدتي تناوله لأسباب اجهلها ٠٠٠ جارتنا ام شكري السورية بدورها تسخر من والدتي لهذا الرفض غير المبرر ؛ والدتي ترد على جارته لابد للسر من كتمان ؛ ففد يقع ما ليس في الحسبان ٠٠٠ خاصة انها لا تريد إزعاج جاراتها اللواتي يحضرن المسلسل الأمريكي كتبية الفدائيين ؛ الذي كان يُعرض على شاشة التلفاز كل يوم اربعاء بعد نشرة اخبار التاسعة مساءً ؛ الذي امتص اوجاع الفقر لأهالي حارة سوق الصباح ؛ وإنتظارهم راتب أخر الشهر ؛ المسلسل يظهر تفوق الجندي الأمريكي على الجندي الألماني ” النازي ” التي تدور تحداثه اثناء الحرب العالمية الثانية ؛ واصبح حديث كل الأهالي ويتظرونه بكل شغف وسرور ٠٠٠ والدتي لم تجرأ على اعلان عدم حُبهّا للتفاح الأخضر لقساوة هضمه ؛ فأسنانها لا تساعد على فعل ذلك ؛ ووالدي لا بملك ترف معالجة اسنان زوجته ٠
في زمن كتبية الفدائيين ؛ حُرق ” ماتور ” سيارة والدي الفولكس واجن ؛ المانية الصنع ؛ ويُقال من اخترعها هتلر ؛ وإن جاء القدر فهو وباء ؛ البعض جيرانا علقوا على هذا الحدث الجلل ؛ كنوع من المداعبة غضب السماء حَلَ ؛ على والدي لعدم مشاهدته مسلسل كتبية الفدائيين ؛ وكان والدي بدوره يسخر منهم ؛ وانتم سياراتكم فولكس واجن ؛ لماذا لا تغصب السماء عليكم ؟
بدوري
لماذا والدي ؟!

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

غصون غانم

جلسة على موائد الفلسفة

جلسة على موائد الفلسفة في كتاب ( دوستويفسكي وكانط _ حوارات الأخلاق ) للكاتبة أفرجينا …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *