الرئيسية / ادب وثقافة / سليم النجار يكتب : المراة الفلسطينية السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت

سليم النجار يكتب : المراة الفلسطينية السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت

المراة الفلسطينية

السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت
يوم مضى
الحلقة السابعة
سليم النجار
سكنت اوراقي التي أودعتها افكاري وهواجسي وكأنها تنعى رحيلي ؛ لكنها نفسها تأبى ان ترحل ٠ لكن الفكرة التي تحملها هذه الأوراق لا تُغتال ٠ هي وجود آخر للفلسطيني ؛ الرغبة الكامنة في حياة اخرى ؛ ووجود آخر لكن لا ضياع فيه ولا قهر ولا الم ٠٠٠ وهي تهتف أم مجدي ابوعرجا جارتنا في عمارات أشكناني في حارة سوق الصباح ؛ ألماً لان تتوقع ان يتم الأسغناء عن ابومجدي من وظيفته من شركة نفط الكويت ؛ فكان ابومجدي يعمل مديراً لمحطة بنزين ؛ وكأن حال لسانها يقول ( هل من مزيد ٠٠٠! )
فمهما بلغ تراكم غبار الزمن عليها ؛ واصفر لونها ؛ وخشن ملمسها ؛ ستبقى أوراقاً سيقرؤها الآخرون كقصة مسافرة عبر الزمن تتحدّى عبثية المكان ٠٠٠
أما والدي الذي بدأ يصرخ في أحشائه كأن صورة ” جلجماش ” قائلاً ٠٠٠ فأنا ليس في الملحمة السومرية الشهيرة عندما اعتقد ؛ سيكولوجية المغامر ؛ عند ذهابه للكويت كأنه تناول نبتة الخلود يستطيع ان يكون خالداً ٠ فلا هروب من ” التفنيش ” الذي يغتال الفلسطيني ٠٠٠ يافرحة ما كملت اهالي حارة سوق الصباح وحارات الفحاحبل كانت في حالة نشوة وسعادة ؛ بعد معركة الكرامة ؛ وكثرت الزيارات بين الأهالي وزادت الألفة ؛ والكرامة ؛ الضيف الحاضر في كل الجلسات ؛ بل البعض غامر وكسر الميزانية وتهور وبدا يقدم الحلوي لضيوفه ؛ وهذه عادة طارئة على حارة سوق الصباح ؛ احضرتها الكرامة ؛٠٠٠
مازلت اذكر تلك الأيام بعد هزيمة ٦٧ ؛ وحضور الكرامة ٠٠٠ ارى دموع والدي ليس دموع حزن بل شموعاً سوف تضيء لي طريق المستقبل أخضراً يانعاً ٠٠٠ وتعلمت من دروسه ٠٠٠
ماذا يفعل ؟
وكل يأتي حارس العمارة يطلب إيجار الشقة ؛ وهي في الحقيقة علبة سردين نتكدس فيها ٠٠٠ واسمها الحركي شقة ؛ إيجارها الشهري خمسة وثلاثون دينار كويتي ٠٠ من يأتي والدي بالإيجار والرواتب تأخرت والتهديد بالتفنيش والحارس المصري يعربد ويزبد مهدداً والدي بالطرد أي نصبح في الشارع ٠٠٠ انا واخوتي الأربعة ٠٠٠
مضى شهران خلالهما استوطن الوهن والعجز الجسدي على العائلة ٠
أقام والدي عزاءً حاراً وسط السكون الصاخب في داخله ٠٠٠ أغادر المكان ؛ فأبتعد عنه لأصبح في مكان آخر ٠٠٠!
خيم الصمت على حارة سوق الصباح ؛ فعظم الرجال يعملون في الحكومة والكلّ مهدد بالطرد من وظيفته ٠٠
حتى فرحتنا نحن الأطفال فقدت ٠٠ بيوم آخر الشهر والذهاب إلى ” السيف ” سوق الخضار المركزي في الكويت ؛ لشراء الخضار والفواكه ؛ هذه عادة شهرية يمارسها اهل فلسطين في الكويت ؛ ومن منّا ينسى الموز الصومالي الطويل ؛ الذي كان علامة هامة في حياتنا ؛ والكل في هذا اليوم يحمل الموز ٠٠ ؛ ويتباهى في الحارة أمام اقرانه ٠٠٠ اليوم عندنا موز ٠٠٠
تشاجر والدي مع حارس العمارة لكثرة مطالبنه إيجار البيت ؛ شخص متعجرف ؛ مليء بالذاتية والأنتفاخ بالقوة ؛ لا يمكن التفاهم معه ؛ ضيق الأفق وكأن الكرة الأرضية تدور حوله فيحرّك العالم بأصبعه ؛ هذا ما يقوله له صاحب العمارة الكويتي اشكناني ويملي عليه ؛ لقد وصل الأمر إلى طريق مسدود ٠
أليس اليأس وقلُة الحيرة يدعوان إلى الترنح بحبال الوهم الواهنة ٠٠؟ هذا حال حارة سوق الصباح ؛ وكل حارات الفحاحيل ٠
كان اليوم يوم جمعة ؛ السواد الحالك منتظراً ضياء شمس جديد ؛ اخذتني والدتي سرًا من البيت للذهاب لدكانة ابوأحمد ؛ وهو من يعبد قضاء جنين ؛ وكانت الدّكانة الوحيدة في حارة سوق الصباح يملكها فلسطيني ؛ وفي طريقنا للدّكانة والدتي تقرأ بعض آيات من القرأن وتُكثر من الدعاوي ٠٠٠ وأنا في حالة دهشة مما اسمع اول مرّة اشاهد والدتي بهذه الحالة ٠٠ وصلنا للدّكان والقت والدتي السلام على ابوحمد ؛ لم يرد السلام واستمر في شرب فنجان القهوة وبلعت والداتي إزدارءه ؛ وابتسمت وقالت يا ابواحمد انت تعرف الظروف والأحوال الصعبة ٠٠٠ لم تكمل كلامها ؛ قاطعها ابواحمد وبدا بالصراخ وكأنه تعمد ذلك ليسمع اهل الحارة ؛ إلى الآن لم تدفعوا ما عليكم من دين و ” جاية ” تطلبي علبة سمنة وكمان ماركة ” الغزال ” رفض وهدّدها إذا لم تدفعوا دينكم اعرف كيغ احصل على مالي ؟
عُدت مو والدتي نجر حزننا ؛ وطلبت مني لا أخبر والدي بما حدث ؛ وصلنا العمارة ٠٠٠ وصعدنا الدرج وإذا بالخالة ام عصام المعاني وهي من معان جارتنا واقرب صديقة لوالدتي ؛ وتسكن في الطابق الأول ؛ صُعقت من منظر والدتي واصرت علينا الدخول وعزمتها على فنجان قهوة ؛ حاولت والدتي التملص لكن كل محاولتها باءت بالفشل ٠٠ ما هي ثواني ٠٠٠ والخالة أم عصام بدأت تعتذر لوالدتي ٠٠٠ التي دُهشت من صديقتها وما تسمع ٠٠٠ والخالة ام عصام تواصل اعتذارها ٠٠٠ والله نسيت اقول لك أن ابوعصام ذهب يوم امس للسوق واحضر عدد من علب السمنة وطلب مني اعطاك واحدة ام سليم تحب هذه سمنة الغزال لانها من صناعة مدينتها نابلس وتعتبره حلوان رزقنا عصام ٠٠ ابتسمت والدتي ومازحت صديقتها بعد شهريرين نتحلى وابتسمتا ٠٠٠
قامت والدتي على الفور واخبرت الخالة في يوم آخر اشرب القهوة ٠٠ وصعدنا إلى شقتنا فرحين بفرج الله ؛ واخيراً حصلت والدتي على علبة السمنة ” الغزال ” ٠
مشاهد سلبيّة بدأت تفتح عينيّ على حقائق كانت غائبة عني او كانت ولم تبصرها ٠٠٠
والدتي فتحت باب الشقة واتجهت للمطبخ مباشرة ؛ وانهمكت في عجن العجينة التي تركتها قبل حضور السمنة وأناملها تترقص وهي تصب السمنة على العجينة ؛ وقتها تذكرت ان يوم غداً العيد الكبير ؛ ولابد لوالدتي عمل الكعك ٠٠
والدتي ما برحت نائمة ؛ لكنها سوف تسيقظ في أي لحظة ؛ يبدو أن أمامي نهاراً شاقاً ؛ مزيدا من التعب في المشاركة مع اخواتي في توضيب البيت والتنظيف وتحضير مائدة الفطور زيت وزعتر وشاي ؛ اليوم اول يوم عيد ؛ وضيفنا في اول يوم زيارة العم دار ابوخالد من بورين قضاء نابلس ؛ وكان هذا طقس من طقوس بيتنا ٠٠٠ دار العم ابوخالد يحضرون في الصباح الباكر ٠٠ في اول يوم العيد الكبير وما هي لحظات حتى بدأت طرقات الباب ؛ تزف خبر وصولهم ؛ والدي للتو استفاق من نومه ؛ وبدا يستعد ؛ ووالدتي مرحبة وفرحة بحضورهم ؛ وبعد السلام ؛ذهبا لمقبرة الصلبيخات ؛ وسواني الكعك تحملها والدتي لتفرقها عن روح خالد ؛ الابن البكر لأم خالد الذي توفاه الله ؛ جرّاء سقوطه من اعلى ” تور ” في مصفاة الشعبية ؛ كان الوقت ليلاً ؛ صعد لتصليح بعد مفاتيح ” التور ” واختلفت الأوقايل في حارة سوق الصباح ؛ البعض قال فقد توازنه ؛ والأخرون اصروا على انه قضاء وقدر ٠
والدي لبي تعليمات والدتي بعدم السرعة اثناء قيادته ااسيارة ؛ وحذرتني قبل خروجها بأن لا اخرج للحارة ٠
لم التزم بتعليمات والدتي كوالدي وخرجت للحارة ؛ وممتلىء بالفرح والكعك وكيف لا وقد اعطاني والدي قبل خروجه عيدية ربع دينار ؟

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

ثائر حمّاد وادي الحرامية

في كتاب ( أنا وحصاني ) للأسير ثائر حماد

في كتاب ( أنا وحصاني ) للأسير ثائر حماد  غصون غانم  ثائر حماد حضوره حفل …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *