الرئيسية / ادب وثقافة / سليم النجار يكتب : المراة الفلسطينية السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت

سليم النجار يكتب : المراة الفلسطينية السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت

المراة الفلسطينية
السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت
الحلقة السادسة
سليم النجار
لم اكن حزينا هذا اليوم ؛ كنت رقيق اليدين اغنّي للأعشاب النائمة اسفل كلّ قمر ؛ كنت أتلمّمس الأعشاب بعيني الصّغرتين ٠ أتلمّمسها بعيدا بأصواتي ؛ أتقمّصها بينما نهّار الفحاحيل اللأّهب يعذّب قلبي بضوئه ٠
وضعت كفي الأيمن فوق كفي الأيسر ؛ ثم فوق قلبي ؛ اصارع الغضب الممزوج بالحزن وأنين زفرات حارّة سوق الصباح يتصادم في صدري ٠٠٠
لا حول ولا قوة إلا الله ٠٠٠!
تُرى ٠٠ هذا أنا ٠٠٠ أهي تركيبتي البيولوجيّة بلغة العلوم ؛ أم تأثير مرحلة الطفولة بالنسبة للحياة المستقبلية للفرد بلغة علم النفس والتي نفخت ذاتي وكأنني الفرد العبقري ؛ إنسان نيتشه المتفوّق الذي يحق له ما لا يحق لغيره ٠٠٠؟
عندما وافقت صديقي وأخي بسام ابوفيّاض من سيلة الظهر قضاء جنين ؛ أن الملائكة قاتلوا مع الفدائيين في معركة الكرامة ؛ هكذا سمع من والده ٠٠٠
وقتها كنّا نجلس على باب عمارتنا لصاحبها اشكناني ومعنا اخيه نايف وفايز كبارية من شوكة قضاء طول كرم ٠٠٠ وصرخت بأعلى صوتي اننا منتصرون ٠٠٠ خرجت والدة فايز أم جمال ؛ اكبر اخوة فايز تستفسر عن الأمر ٠٠٠ اخبرتها ان الملائكة قاتلت مع الفدائين ٠٠٠ ابتسمت وقالت لي دير بالك على حالك ! وقتها لم اعر اهتماماً لكلماتها ٠٠٠ المهم الملائكة قاتلت مع الفدائيين وانتصرنا ٠٠٠ ثم ضحكنا معاً ٠
لا اعرف من اين جاءت الجملة التي بدأت أرددها ؟ ولم اعرف ايضاً كيف تسللت إلى طفولتي ؟ ؛ هتفت في داخلي ” إنها حياتنا التي بحاجة إلى ميكانيكي ماهر لإصلاح ما افسدته الأيام من أمور ٠٠٠! ”
انا هنا لا اجيد التنظير ؛ فلأقولها حقيقة ثابتة بعيداً عن كل النظرّيات المقوّلبة في الفحاحيل ؛ ألفرويدّية والنيتشية وغيرها ٠٠٠ القديمة والحديثة منها ؛ والتي هي دائماً برسم التعديل والنفي ؛ لكن كل ما شهدته في أيام الكرامة بالفحاحيل ؛ وتحديدا في حارة سوق الصباح ؛ شباب وشابات يطرقون الأبواب يجمعون التبّرعات للفدائيين ؛ وهذا المنظر غير مألوف خاصة أن تشاهد صبايا مع شباب ٠٠٠
كنت اتصور ان هذا الحدث وقع في حارتنا ؛ وعرفت فيما بعد ان هذا الحدث غطى كل الحارات الفلسطينية في الفحاحيل ؛ العوضي ؛ والمضخة ؛ وعثمان بن عفان ٠
كانت الساعة تشير إلى باكورة نهار جديد ؛ من كرسي بمحاذة النافذة أخذت ارقب الخيوط المائية الدقيقة وهي تزحف ببطء كالديدان على الصفحة البيضاء على شاطئ الفحاحيل ؛ لحظتها قرّرت النزول من البيت ؛ ركضاً ؛ وامام العمارة وجدت جارنا المصّور الهندي الذي له محل في شارع الدبوس ؛ وزجته التي تلحقه المدّرسة في المدرسة الهندية ؛ ومن غير تخطيط مسبق بدأت اشرح لهما عن معركة الكرامة ؛ وهو الذي يعرف نزرا قليلاً من اللغة العربية ؛ اما زوجته كانت اكثر معرفة ؛ وبدأت الحديث وكيف الفدائيين هزموا اليهود ؛ استمعا لي بصمت ؛ وكأنني كنت مشاركاً في المعركة ؛ وما انتهيت حتى ططب المصوّر على رأسي ؛ سعيدا بما سمع مني ؛ زوحته هرولت نحو واحتضتني وتسللت بعضاً من الدموع على وجهها ٠٠٠ كنت فرحاً بهذا الحضن الدافئ ٠٠٠
كانت الرياح تئن وهي تصطدم بوجوه الصخور على شاطئ الفحاحيل ؛ وسماء محتقنة تنذر بمطر قادم ؛ مع اننا في شهور الصيف ؛ وثوب من الضباب ينسجه الشفّاف المتاسك يفترش الفضاء ؛ بدا لي الشارع أمامي وقد استيقظ مستنفراً متدثراً بصمت عميق ؛ لا شيء يخدش سكونه المنبسط على الأرجاء ؛ إلا أصواتنا في ساحة مدرسة عثمان بن عفان ؛ نهتف بأعلى الأصوات إنتصرنا في الكرامة ؛ الملائكة تقاتل مع الفدائيين ؛ وبدأت اشاهد العلم الفلسطيني يرفرف على السارية ؛ وقتها عرفت ان هذا هو علمنا ؛ وأننا لنا علم كبقية شعوب العالم ؛ وبدا المشهد سريالياً مسربلاً بالغموض ؛ ذات طابع سحري ولغز غامض ٠٠
هبّات نسيم تراقص وريقاتي ٠٠٠ ولا سرب عصافير يناجنيني ٠٠ لا طنين نحلة حائمة ترتشف رحيقي سأرحل في النهاية مثل بقية أقراني ٠٠ سأرحل كي افسح المجال للربيع عندما يأتي حاملا معه زهرة ٠٠٠ النصر ؛ وبدأت اناشيد تخرج مت حناجر مدّرسينا ٠٠ في الساحة ؛ ( تل سلاحي من جراحي ) و ( فدائي ٠٠ فدائي ) و( ورّوحنا عالاقواعد رّوحنا ) و ( هذا دربي ) ؛ وبين الاناشيد صرت اسمع كلمة فتح ٠٠٠ فتح ٠٠٠ كأنها المفتاح السحرّي القادم لرسم حيواتنا ٠٠ فتح ٠٠ فتح ٠٠٠
وهكذا بدأت رحلة الغروب تزف خبرها ؛ ونحن في حالة هرج ومرج ؛ يومها لم نذهب للصفوف بعد ان زف لنا ناظر المدرسة ابواحمد خبر اليوم الدرس والغناء للكرامة وهكذا كان ٠٠
المضيّ نحو المجهول وإيقاعات الرحيل تتردّد حولي بكل صفاقة وفجاجة ٠٠٠ إنه الموت الذي لا يمكن مرواغته ٠٠ الرحيل الذي لا عودة منه ٠٠!
عَم الحزن على حارة سوق الصباح ؛ عندما عَلمنا ان ابن حارة سوق الصباخ ياسين الذي كنا نسمع عنه انه ذهب مع الفدائيين قبل سنة ؛ والتحق بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ؛ اسشهد في الكرامة ودفن هناك ٠٠٠
ياسين الشّاب الوسيم جميل الوجه ؛ وفارع الطويل كنّا صبايا الحارة يتحرشنا به في السّر والعلن ؛ وياسين يحث الشباب والأطفال على حب فلسطين ٠٠ لابد من العودة إلى فلسطيننا ٠٠٠
سقط قلمي من يدي ٠٠٠ فصمتت حروفي ٠٠٠ سكنت أوراقي عن الحراك ٠٠٠ فكان ياسين السطر الأخير ٠٠٠!

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

ثائر حمّاد وادي الحرامية

في كتاب ( أنا وحصاني ) للأسير ثائر حماد

في كتاب ( أنا وحصاني ) للأسير ثائر حماد  غصون غانم  ثائر حماد حضوره حفل …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *