لؤي عبده : لماذا أنا فتح؟
التاريخ: الأثنين 06 فبراير 2012
الموضوع: قضايا وآراء



لماذا أنا فتح؟
دراسة : مفاهيمية – نضالية – وطنية
الحلقة الثالثة
المحامي لؤي عبده
عضو المجلس الثوري

عندما تجتمع العوامل - العناصر الطبيعية والذاتية والموضوعية – في مكان وزمان واحد فإنها تشكل النتيجة.



لماذا أنا فتح؟
دراسة
مفاهيمية – نضالية – وطنية
                                                          الحلقة الثالثة
                     بقلم
                                                                                 المحامي لؤي عبده
                                                                                عضو المجلس الثوري

عندما تجتمع العوامل - العناصر الطبيعية والذاتية والموضوعية – في مكان وزمان واحد فإنها تشكل النتيجة.
فسنبلة القمح عندما يتوفر لها عناصر البيئة، والتربة، والماء. بالتأكيد العناصر الطبيعية. فإنها تنمو وتعيش وتعطي حبة القمح.
وكذلك عندما تتوفر العناصر الذاتية لأي إنسان فإنه بالتأكيد سيصبح ناضجاً، وواعياً، وراشداً. وهي العناصر التي تكفل نمو الإنسان عقلياً وجسدياً واجتماعياً.
أما الموضوعي، فعندما تتوفر عناصره في الواقع المعاش فإن قضية ما تظهر وتصبح حقيقة لكنها موضوعية واقعية فيها كل العناصر الموضوعية.
فإذا ما تلاقت عناصر الذاتي مع عناصر الموضوعي فإن النتيجة حتمية. ولا شك بها، بل فإنها قضية موضوعية لا يمكن إزالتها، وعواملها شديدة البقاء والاستمرار.
هكذا حركة فتح تطابقت بالمفهوم والأسلوب والهدف مع قضية شعبنا. بل انبثقت من الموضوعي وتلاقت معه وأصبحت تشكل في واقع الثورة أكثر من سبعة وأربعين عاماً من التواصل والاستمرار.
فتح شكلت الذاتي، وقضية فلسطين شكلت الموضوعي برأيي واتحدا معاً وأصبحتا هوية وطنية ناضجة، توافق العالم عليها ومعها لما تملكه من عناصر موضوعية وذاتية.
المعادلة أن الحركة الصهيونية اتبعت العنصر الذاتي وفرضت وجودها، وحربها وغزوتها على أرض فلسطين وسببت بتشريد شعب وتمزيق حضارة حين رفعت شعار( أرض بلا شعب لشعب بلا وطن) لكنها أي هذه الحركة وكيانها إسرائيل لم تستطيع أن تفني الذات والموضوع الفلسطيني لطبيعة عواملها، وحقيقة تاريخها، ومهما كانت تلك القوة مدعومة ومنظمة، فإنها لا تستطيع أن تزيل الموضوعي.
لم يكن هناك أي تناقض بين عناصر الذاتي والموضوعي في العملية الفتحاوية، بل كانت عناصر متلاقية ومتحدة بعكس الآخرين الذين حاولوا أن يفرضوا على الموضوعي عناصرهم الذاتية، التي تسببت بالتناقض والاختلاف. ولذا سقطت شعاراتهم المذكورة سالفاً بالوحدة أولاً، أو بالإشتراكية أولاً، أو بالدعوة أولاً...ولم يفلحوا بذلك وذلك منذ فجر القرن الماضي. فما بالك بعد مئة عام من الصراع؟!
نحن نقول، أن البقاء للأصلح، أو الأفضل أو الأكثر انسجاماً مع قضية شعبه. فمن استطاع أن يجمع شتات هوية شعب وطنية ويضعها أمام العالم بشكل موضوعي فالبقاء له ولمن يسير على خطاه.
فحركة فتح آمنت بالمراحلية بعد أن أصبحت واقع وممارسة جمعت الهوية الوطنية الفلسطينية بعد أن طمست وأُخضعت لسياسات الغير ومصالحهم. وقدمت نفسها عبر مراحل طويلة وشاقة أنها فقط تسعى وراء الحرية، والعدل وتقرير المصير التي نصت عليه كل المواثيق والأعراف الدولية منذ الحرب العالمية الأولى في عصبة الأمم. أو في الأمم المتحدة وما بعدها من هيئات ومنظمات دولية.
أدركت هذه الحركة أن قضيتنا تحمل ثلاثة أبعاد أساسية الوطني، القومي، العالمي أي أنها فلسطينية الوجه، عربية العمق، إنسانية المطاف...وعلى أساسه راحت تطوف العالم في دوائره السياسية الدولية وهيئاته العالمية تشرح معاناة شعب ونضاله وحقوقه ومستقبله وحقه في تقرير مصيره على أرضه.
منذ البداية أخُذت هذه الأبعاد بعين الاعتبار والممارسة والتواصل عبر المراحلية وطوعت البرامج والآليات وحتى التكتيك والإستراتيجية لهذا الغرض حتى يؤتي بثماره ونتائجه العظيمة.
وهذا أيضاً لغز آخر يضاف إلى تجربة وعمل فتح في الميادين، والساحات. ومنه نضجت فكرة الاعتراف بالهوية السياسية والوطنية لنضال الشعب الفلسطيني وربما كانت فكرة التفاعل والإندماج أحياناً مع منظمة التحرير الفلسطينية حين الإعلان عنها كجزء أساسي في نضال فتح وتوجهاتها بالرغم من معارضة البعض لها. طالما كانت فكرة م.ت.ف الهدف منها مظلة للجميع، وكيان سياسي في المنفى لعموم الشعب الفلسطيني وقواه السياسية والاجتماعية والثقافية.
فهذا لم يتناقض مع ما جاءت له فتح، عندما طرحت مشروعها حركة تحرير وطني فلسطيني يندمج فيها الكل الفلسطيني مهما مهما اختلفت مشاربه ومهما كانت منابعه الفكرية أو الطبقية طالما يؤمن بأهدافها ومفاهيمها ومنطلقاتها ويلتزم بها ويناضل من أجل حرية شعبه وتحرير وطنه.
ربما لم تنجح فتح بتلك الفكرة وخرج من خرج إلى حيز الوجود طارحاً أفكاره وأيديولوجيته وشعاراته وبأسلوبه سواء كان جبهوي أو حزبي.
إلا أن الفرصة تكررت ثانية عندما أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية واقع لا محالة، وحقيقة لا يمكن القفز عنها مهما كانت دوافع ومصالح ورؤية مؤسيسها.
يمكن القول والجزم أن فتح عندما تفاعلت واندمجت فيها، فإنها بدون شك أعطتها الدفعة اللازمة، ووفرت الرغبة للآخرين أن يلتحقوا بعضويتها القيادية والبرلمانية حتى يصبح هناك فعلاً ممثلاً واحداً لشعبنا، وأن تتحد جميع البنادق على أرض المعركة، وتكون لدينا ديمقراطية غابة البنادق لأن الشغل الشاغل كان ومازال أن ينصهر الجميع في طريق النضال من أجل تحرير فلسطين، ودحر الاحتلال عن بلادنا، وتحقيق حق عودة اللاجئين إلى ديارهم الذين طردوا منها.
هذه المعادلة السياسية المعقدة، أن يتم جمع الكل الفلسطيني في إطار واحد لفعل واحد وهدف واحد مشقة حقيقية وطريق طويل وصعب واستنزف دعاة القرار الوطني المستقل فيما بعد. لأن السؤال كان يطرح نفسه بقوة. لمن أُقيمت منظمة التحرير الفلسطينية؟! وما هو الغرض الذي جاءت من أجله؟ هذه معادلة كانت غاية بالإشكال والتعقيد لأن هناك من كان يعارضها من الدول العربية والحكومات.
وبالتالي عندما قررت حركة فتح أن تصبح عضواً ملتزماً فيها، كان ودون شك وللأسف شرائح فلسطينية أخرى تتبع ولاؤها للآخر من بعض الدول العربية الذي طرحه برنامجه على ساحتنا وشكل له فصيلاً يعبر عن معتقداته الحزبية أو القومية. فاستمرت فتح في تفاعلها مع مشروع م.ت.ف وتواصل هذا إلى أن أصبحت ممثلاً شرعياً ووحيداً لشعبنا الفلسطيني. لكن ذلك لم يحصل بهذه السهولة والبساطة. لقد اشتعلت حروب ودماء سالت في المنطقة لكسر هذا المشروع وإعادته إلى الوصاية والخضوع والتبعية. بل وإلى الحاضنة الرسمية. إلا أن الرياح لم تأتي كما اشتهت السفن.
يتبع







أتى هذا المقال من جريدة الصباح الفلسطينية
www.alsbah.net

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
www.alsbah.net/modules.php?name=News&file=article&sid=8989