الهجرة المعكوسة من فلسطين هروباً من ... (1من 2)
بقلم: أ . سامي ابو طير لأجلك يا فلسطين يا أحب بقاع الأرض إلى قلبي وعقلي سأكتب من أجل
أن تسودي الدنيا فخراً وعـزة وكرامه لنراك دوما كما كرّمك الخالق عزّ و جلّ
ورسوله الكريم محمد عليه الصلاة و السلام بأن تكوني
الهجرة المعكوسة من فلسطين هروباً من ... (1من 2)
بقلم: أ . سامي ابو طير
لأجلك يا فلسطين يا أحب بقاع الأرض إلى قلبي وعقلي سأكتب من أجل أن تسودي الدنيا فخراً وعـزة وكرامه لنراك دوما كما كرّمك الخالق عزّ و جلّ ورسوله الكريم محمد عليه الصلاة و السلام بأن تكوني أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وتُشد إليك الرِحـال دائماً ، وزاد تعظيمك بأنك أرض الرباط إلى يوم الدين، وكما أراد لك أبنائك العظِام وعلى رأسهم الشهيد الرمز الأسطورة ياسر عرفات رحمه الله بأن تكوني فلسطين الحرة الأبية ، ولأجل ذلك الهدف الأغلى ضحى أبناؤك وقدموا الغالي و النفيس ورُويت أرضك الطيبة بدمائهم الطاهرة وسارت قوافل الشهداء من أجلك قافلةً تتبعها قوافلا.
بدون لف أو دوران وبكل صراحـة إن ما يحدث حالياً من هجرة للشباب الفلسطيني من غـزة الحبيبة ( جزء لا يتجزأ من فلسطين ) لا يخدم القضية الفلسطينية مُطلقاً بغض النظر عن الأسباب و المُسببات ومهما كانت الذرائع ،لأن الهجرة وتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها هي سياسة تخدم الاحتلال الإسرائيلي فقط ،وهي سياسة إسرائيلية دأب عليها الاحتلال الإسرائيلي منذ اليوم الأول للنكبة الأولى عام 1948 م بإفتعاله الجرائم والمجازر الوحشية ضد شعبنا الفلسطيني ليهرب أهلنا من أهوال تلك الهمجية والوحشية الصهيونية التي يندى لها جبين الإنسانية ، ومن ثم تفرغ الأرض من أهلها و تصبح أرضا بلا شعب كما خطط لها الصهاينة في مؤامراتهم الملعونة من قبل ونفذوها على الأرض من بعد .
وبالمقابل يهاجر اليهود إلى فلسطين من كل حدبٍ وصوب لأنها أرض الميعاد بنظرهم ولذلك تبذل الصهيونية العالمية كل ما بوسعها لتحقيق ذلك الهدف ...
ولكن هيهات لهم ذلك لأن قادتنا العظِام الأوائل بزعامة أسطورة الأحرار ياسر عرفات رحمه الله تمسكوا بالأرض و ضحوا بدمائهم الطاهرة دفاعاً عن أرض فلسطين ضد الغطرسة الصهيونية.
التهجير القسري باستخدام جميع الأساليب القذرة هي إذن سياسة إسرائيلية بامتياز لتسيطر على فلسطين لإقامة الوطن الصهيوني الكبير والمزعوم.
تلك السياسة الشيطانية التهجيرية لا زال أبناء شعبنا الفلسطيني الصامد في كل مكان وخصوصا في القدس يعانون منها الأمرين ومع ذلك فهم يقاومون تلك الهمجية التهجيرية بالصمود والثبات على أرضهم مهما فعل الأعداء الصهاينة.
ما أود الوصول اليه هو بأن الهجرة وترك الأرض مُفرغة من أهلها هو لصالح إسرائيل فقط مهما كانت المبررات لأن العبرة بالخواتيم طالما أننا لانزال نقبع تحت الاحتلال ولم نحصل على الحرية بعد، والنهايات هي الأهم في حياة الشعوب ولذلك يجب المحافظة على الأرض بأي ثمن حتى دحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية ثم بعد ذلك لكل حادثٍ حديث.
القيادة الفلسطينية بزعامة الشهيد الخالد ياسر عرفات رحمه الله وخلفه الرئيس ابو مازن "حفظه الله" كانت تعي تلك المخططات الصهيونية التي تؤدي إلى التهجير لتفريغ الأرض من سكانها لخلق سياسة أمر واقع صهيوني جديد ومرير على الأرض ، ولذلك كانت لها بالمرصاد طيلة الفترة السابقة من عُمر الاحتلال ،وخلال فترة النضال قبل العودة للوطن .
لذلك قامت قيادتنا الحكيمة بعدة خطوات هامة جداً تساعد المواطن الفلسطيني على التمسك بأرضه و بيته و وطنة وهذا من ناحية ، كذلك قاموا بفضح سياسة التهجير العنصري ضد أبناء شعبنا الفلسطيني في المحافل الدولية وكانت القرارات الهامة أنداك بحق العودة و تقرير المصير و غيرها نتيجة العمل الجبّار للقيادة الفلسطينية الوطنية بزعامة ياسر عرفات و إخوانه في م . ت . ف .
وما حصولنا على دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة إلا تأكيداً من الرئيس ابو مازن حفظه الله على مواصلة نفس نهج الشهيد ابو عمار رحمه الله بالمحافظة على الأرض والشعب الفلسطيني حتى إقامة الدولة المستقلة.
أما من ناحية أخرى لمكافحة التهجير وعدم ضياع الهوية الفلسطينية فقد كان بالاتفاق مع الدول العربية حيث كان يتم رفض منح الجنسيات العربية المختلفة للمواطن الفلسطيني حتى لا يتقاعس عن حقه في العودة ويركن إلى الهدوء والنوم بعيداً عن حقوقه التاريخية في فلسطين ، ولذلك بقى اجدادنا يحملون مفاتيح بيوتهم التي هُجِروا منها قسرياً في قلوبهم وعقولهم انتظاراً للعودة الأكيدة للوطن.
الأهم من كل ذلك ... بعد اتفاق أوسلو تم عودة الاّلاف المؤلفة من الفلسطينيين إلى غزة والضفة وتجاوز الرقم المليون فلسطيني ممن عادوا إلى أرض الوطن ، بالإضافة إلى أن كل زائر فلسطيني عاد إلى الوطن بتصريح زيارة و لم يرجع الى البلاد التي كان يعمل فيها أيضا بقى في الوطن الذي فرد له جناحه على الرحب و السعة ، كل ذلك لمـــــــــاذا ؟
كل ذلك فعلته القيادة الفلسطينية الحكيمة والواعية لعودة الشعب الفلسطيني المهاجر الى بلاده و خلق أمر و اقع جديد بعيداً عن أي اتفاق وقعت عليه من قبل لمواجهة الهجرة الصهيونية إلى فلسطين لترجح كفة الميزان الديموغرافي لأصحاب الأرض أبناء فلسطين .
وهنا تتجلى عبقرية القيادة وحب الوطن عندما تعمل لأجل فلسطين فقط ، وبالرغم من أن الكثير هاجم أوسلو إلا أن هذه الجزئية تكفي من قام بعقد اتفاق أوسلو فخــراً لأنها جعلت للفلسطيني موطئ قدم على أرضه بعدما كان مُشرداً هنا و هناك ، هذا بالإضافة الى ميزات إيجابية أخرى جلبتها أوسلو للشعب الفلسطيني مثل المطار و الميناء و حرية المعابر وغيرها .
علماً بأن العديد من تلك المكتسبات ضاعت بعد الانقسام البغيض واليوم نحارب لإعادة جزء من تلك المكتسبات ، والغريب أن من هاجموا أوسلو بالأمس واليوم أيضاً هم أنفسهم الذين يبحثون عن ربع أوسلو اليوم و لكن بطريقتهم الخاصة لتصبح ماركة انتصارات يسجلونها بأسمائهم الخاصة فقط بعيداً عن فلسطين.
وتلك هي جوهر الحقيقة لأن أوسلو صنعها قائد حقيقي و زعيم تاريخي أسمه ياسر عرفات رحمه الله وفعل ذلك في ظل ظروف صعبة جداً ولأجل فلسطين فقط ولذلك واجه النقد وعدم الرضا من البعض ، أما اليوم فيصبح كلام الأمس من الذاكرة ويقبلون بالواقع الجديد بالرغم من حقيقته المُرة و يلبسوه ثوب النصر مهما كان يسيراً وهكذا ..
ما يحدث حالياُ من هروب للشباب الفلسطيني وغيرهم من غزة نحو المجهول نتيجة الظروف المعيشية السيئة إن لم نقل الكارثية مع انعدام جميع الاّفاق نحو الانفراج للأفضل ،علماً بأن عالم المجهول ظاهرهُ مُزخرف بالحياة الكريمة و باطنة الموت الزؤام.
وبكل صراحة الهجرة هنا هي هروبا من الموت البطيء الذي يسري من حولنا دون أن نلمسه و لكن نشعر به وهو قادم لا محالة إذا استمرت نفس الأوضاع السلبية التي يعيشها الجميع ، ولذلك نجد كل من يقدر على توفير ثمن رحلة الموت فانه لا يتأخر في التخطيط للهرب من غـزة الى مكان أخر معتقداً بأنه الأفضل ليحيا حياة البشر برفقة أطفاله بأمان ولمجرد حياة كريمة فقط .
الهجرة الى المجهول هي الهروب من الموت الى المــوت الذي ينتظر الكثير هناك في المجهول كما حدث قبل أيام لأبناء فلسطين الذين هربوا من الموت ( بفعل انعدام سبل الحياة في غـزة ) الى الموت في بحر الأوهام واليقظة .
وما زاد الطين بلة هو أن رحلة الأوهام تُديرها عصابات ومافيا همّها الأوحد المتاجرة بالبشر والاستفادة من اموالهم فقط دون الاكتراث لحياتهم أو حقوقهم كأدميين من جنس البشر ومن حقهم العيش حياة كريمة.
لمــاذا نهاجر ونترك أوطاننا و لمصلحــة من كل ذلك ؟
بكل صراحة أطرح سؤالاً يتداخلة عدة أسئلة في محلها الطبيعي كأبن من أبناء هذا الوطن أشعر بالحسرة والأسف على ما يحدث وهو :
أين الجهات المختصة من كل ما يحدث ولمــاذا لم تتحرك منذ فترة طويلة للقضاء على الأسباب التي تؤدي للهروب من غـزة بالرغم من أن العديد من المؤشرات كانت توحي بقدوم ذلك الانفجار عاجلاً أو أجلا ؟
كل ذلك يجعلنا دائماً نتساءل بمرارة وغضاضة و شعور بالحسرة والألم على الوطن دائما ونتساءل لمـــاذا؟
وهل هانت علينا فلسطين التي نحلم بها منذ نعومة أظافرنا لهذا الحد وما الذي تغير بين الأمس و اليوم كي نتركها فريسة للأعداء ولنهاجـر ونهاجـر ؟
أسباب الهروب أو الهجرة المُميتة كثيرة ومتنوعة ولا تخضع لعامل واحد نختصره تحت بند الحصار الظالم من العدو الصهيوني أو بند البطالة و قلة العمل كما يحلل البعض الأسباب و الدوافع للهجرة اليوم .
بل من الظلم بمكان أن يكون ذلك العاملان هما الدافع الحقيقي خلف الهجرة فقط ، وبالافتراض جدلاً أن ذلك الدافع هو الوحيد فسأرد هنا بجزئية صغيرة تُفند ذلك الادعاء وهو إن كان ذلك صحيحا لكان أجدانا هربوا قبل عشرات السنين ولكانت فلسطين خاوية على عروشها ، وقد حدثنا أجدادنا عن ظروف مروا بها تشيب لها الولدان ولكنهم لم يهربوا ولم يهاجروا و تمسكوا بأرضهم ، بل كانوا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء و يأكلون من خشاش الأرض فقط ثم فقط ومع ذلك لم يهربوا! أو يهاجروا نهائيا الى غير رجعة .
وإذا كانت البطالة وقلة المال هما السبب فلماذا يهاجر من يتوفر معه المال الذي يُمكنه من مواصلة الحياة في الوطن دون الهجرة منه برفقة عائلته بالكامل ؟
الاعتراف بالحق فضيلة ويجب علينا المصارحة و المكاشفة لمناقشة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى حدوث هذه الكارثة الغير مسبوقة ...
كاتب ومحلل سياسي