
وسارعوا
التاريخ: الأربعاء 10 نوفمبر 2010 الموضوع: قضايا وآراء
علينا أن نتوقف عند هذه الكلمة وقفة مطولة مدققين في معناها الحقيقي ، والإيجابي بعقول نيرة وبنفسية مهذبة ، وبنية سليمة ، وبطوية حسنة ، ولنحمل معناها ومغزاها وما انطوت عليه على
وسارعوا بقلم / إبراهيم ابوالنجا علينا أن نتوقف عند هذه الكلمة وقفة مطولة مدققين في معناها الحقيقي ، والإيجابي بعقول نيرة وبنفسية مهذبة ، وبنية سليمة ، وبطوية حسنة ، ولنحمل معناها ومغزاها وما انطوت عليه على ذات المحمل الذي أراده الله سبحانه وتعالى لنا ، لا أن نسيء فهمها وتفسيرها لأننا سنؤثم على ذلك ، كيف لا وقد نزلت بأمر منه حيث قال تعالى : وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين صدق الله العظيم . هذه الجائزة الإلهية التي لا تعدلها جائزة ، وهذه المكانة التي لا ترقى كلمة أعظم مكانة وأفضل منها ، وليست هناك كلمة تحمل معنى أسمى من هذه الكلمة ، فالله سبحانه تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، ولم يرض لنا إلا ما يصلح به أحوالنا : ولحبه لعباده فقد خاطبهم عبر رسولنا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم ، وخص بها المتقين . ولكن دعونا نقف عند كلمة المتقين . فمن هم المتقون ؟ وردت هذه الكلمة في مواضع كثيرة ، في قرآننا الكريم ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لأنه كلام الله وهو الذكر الذي قال فيه رب العزة :; إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون; . صدق الله العظيم . فالمتقون إذن الذين اختصهم الله بهذا الوصف ، هم نوع من العباد الذين يحبهم الله ويحبونه ، ويرضى الله عنهم ، ويرضون عنه ، وحتى يستحقوا هذه المنزلة ، وينالوا هذه المرتبة فهناك استحقاقات من حاد عنها معتقداً أنها من المؤهلات والموجبات ، وهي في حقيقة الأمر بعيدة بعد الأرض عن السموات ، وموقناً أنها سلوك مستحب ، ويكتنزه عند الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم ، فهو مخطئ وعليه حجة وليست منجاة له . وعليه أن يتقي الله حيثما كان ، لأن من يتق الله يجعل له مخرجاً ، ويرزقه من حيث لا يحتسب . إذن رأس الحكمة مخافة الله ، والذين يخافون ربهم هم عباد الله الصالحون أي المتقون . قال تعالى : لا تستوي الحسنة ولا السيئة .. ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. صدق الله العظيم . لعل البعض يقول : هل نحن في خطبة جمعة ، أم في درس وعظ وإرشاد ؟ إنه مدخل لقراءة أحوال مجتمعنا الفلسطيني ، لأننا تحدثنا مطولا ً عن أحوال أمتنا العربية التي لا تسرُّ ، وفي مقالات عديدة سابقة وكانت الردود على المقالات : شكراً على هذا الشعور القومي النبيل ، ولكن ليتنا نقرأ شيئاً عن أوضاعكم الفلسطينية . إنها إشارة كالسوط على الظهر ، أي أنتم تظهرون بمظهر الحريص وأوضاعكم الفلسطينية ، أردأ بكثير من أوضاع الأمة المحزنة . نقول لهم شكراً ، ولا نأخذ حرصهم على أنه تشفي فينا فدائماً لا نفترض النوايا السيئة ، ولكننا نأخذ الحديث على محمل الحرص علينا من أبناء أمتنا . ولكن عند الغوص في أوضاعنا الداخلية ، ألا نجد أننا أولى بتشخيص حالتنا ؟ ماذا عن بغضنا لبعضنا البعض ؟ وعن كراهيتنا لبعضنا حتى ذوي القربى منا ، بل تعداها ذلك بين الأخ وأخيه ، والأب وابنه ، زيادة على الجار وجاره ، وأبناء العمومة ، أي أن نسيجنا الذي لطالما كان محط اعتزاز ومفاخرة أينما حللنا ، حتى أننا كنا مضرب المثل في التآزر ، والتلاحم ، والإخاء والمودة عند الآخرين ، هذا النسيج مزق شر ممزق . الكل يسأل الكل متى المصالحة ؟ كلمة المصالحة لم تكن تشغلنا يوماً ، ولم تكن من الكلمات الدارجة على ألسنتنا لأننا لم نكن بحاجة إليها فنحن دائما متصالحون ، رغم بعض ما كان يعتري علاقاتنا من هفوات سرعان ما نطوقها ، وتعود الألفة والمودة والمحبة ، والتزاور ، والتآزر والمصاهرة . علينا أن نعترف أننا أمام جبل من الهموم والانقسام ، ومن أجل ذلك كان الحوار وتعددت الملفات. أي أن مشاكلنا دخلت عالم الملفات ، وتطلب ذلك تشكيل اللجان لتبحث فيها عن حلول لها . وأصبحت محددة في اللجنة الأمنية ، ولجنة منظمة التحرير الفلسطينية ، ولجنة الحكومة ، ولجنة الانتخابات المركزية ، ولجنة المصالحة الوطنية . لئن ننظر إليها أنها ملفات شائكة فهي كذلك ، إذا أردنا أن تكون كذلك ، وإذا ارتقينا إلى مصلحة شعبنا ، فكلها هينة ولكن ذلك يتطلب منا جهداً وعملاً ،ً ونوايا حقيقية ، وبالنظر إلى ما يحكمنا من عادات قبلية لا تتمشى ومتطلبات المستقبل الذي نورثه لأبنائنا ، فإن علينا عملاً كبيراً يتمثل في الاعتراف بأهمية المصالحة ، وهذا يعني تبني سياسة أن لا وطن لنا سوى هذا الوطن ، ولا تتسعنا أرض سوى أرضنا ، على صغر مساحتها ، وأن البعض لا يمكن أن يلغي الآخر ، وأن الأرض يرثها عباد الله الصالحون ، والكل منا صالح إن شاء الله ، ولا نزكي أنفسنا ، بل الله يزكينا . إذن ما الحل ؟ إنه العودة إلى التاريخ العريق المليء بالفضيلة ، والتذكير بكل الأمثلة والمحطات الإيجابية ، وهجر ومغادرة سياسة وعبارات الانتقام والأخذ بالثأر ، وأخذ القانون باليد ، فلدينا من الموروث ما هو شفاء لنا ولنفوسنا وما اعتراها من صدأ وأحقاد . لدينا كتاب الله وهو القانون الرباني ، ولدينا القوانين الشرعية ، والقوانين الوضعية المسنّة . ولدينا العرف والعادة ، أي لدينا السلاح الذي إذا ما تسلحنا به ، تشفى أنفسنا من كل سوءاتها لأنها أمارة بالسوء . لا يعيبنا أن نعتذر لبعضنا البعض ، ولا ينقص من قدرنا إذا اعترفنا بخطايانا ، وأخطائنا ، وزلاتنا ، وهفواتنا ، لا يمس كرامتنا إذا ما أعلنا أننا أخطأنا ، فكل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون . علينا أن نتوب إلى الله أولاً ، وأن نعلن عن المصالحة الحقيقية ، وإطار المصالحة الوطنية كان قائماً وشارك فيه الجميع ، ولعب الدور الإيجابي ، وشهد بذلك القاصي والداني ، ورفعت بفضله المظالم ، ولوحقت حالات التغول . وعودة إلى الملفات سابقة الذكر ، وحتى لو تم التوقيع والاتفاق عليها ، والتوقيع بدون مصالحة حقيقية ، فستبقى قضايا كثيرة لا يحلها نص هنا ونص هناك . فلنعد إلى ميثاق الشرف ، الذي يعالج النفوس ، لأن المشكلة في النفوس وليست في النصوص . نتطلع إلى العقلاء ، وإلى علماء ومناضلي وشرفاء وقادة شعبنا ، وقواه الحية ، نتطلع إلى كلمة سواء . نتطلع إلى تطهير النفوس ، ودفن الأحقاد ، والانفتاح العائلي ، والمصالحة العائلية والأسرية ، والاسترشاد بقوله تعالى : " إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون " صدق الله العظيم . فيا أيها الفلسطينيون : تذكروا مقدساتكم ، وأرضكم التي تسرق في كل حين ، وعدوكم الذي لا يريد لكم إلا الفناء . فلا تتمنوا الفناء لبعضكم فهذا ما يريده عدوكم . وتزودوا فإن خير الزاد التقوى . والتقوى لا تتسع مجلدات لشرحها . وأما ما عداها فلا تتسع لها إلاّ نفوسنا . فغادروا الأحقاد ، وكفوا عن الأذى والإيذاء ، وتوجهوا إلى المصالحة بقلوب ملؤها المحبة الصادقة . المحبة هي الأرض التي تقلنا ، والسماء التي تظلنا ، وخشبة النجاة التي تنقدنا ، والصبر الذي يشفي نفوسنا . ونسأل الله أن يجد هذا القول من يأخذ به . ويهدينا سبل الرشاد . قال تعالى : واصبر وما صبرك إلا بالله. وقال تعالى : ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا. صدق الله العظيم . فكل الدنيا بمكاسبها وزخارفها فانية ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام . فاللاهثون وراءها كاللاهث وراء سراب يحسبه الظمآن ماءً . اللهم فاشهد .. إنا قد بلغنا .
|
|