متابعات: هكذا باتت حماس تتبنّى المقاومة الشعبية بتاريخ الأحد 08 يناير 2012
الموضوع: متابعات إعلامية
|
 هكذا باتت "حماس" تتبنّى المقاومة الشعبية
ماجد كيالي ثمة مؤشّرات تفيد بأن حركة حماس وصلت أخيرا إلى ما انتهت إليه حركة "فتح" من قبلها، لكن بعد تجربة مضنية ومريرة وباهظة، دفع ثمنها
هكذا باتت "حماس" تتبنّى المقاومة الشعبية
ماجد كيالي ثمة مؤشّرات تفيد بأن حركة حماس وصلت أخيرا إلى ما انتهت إليه حركة "فتح" من قبلها، لكن بعد تجربة مضنية ومريرة وباهظة، دفع ثمنها الشعب الفلسطيني غاليا، من تعبه ودمه وعمره. فقد توصلت هذه الحركة التي صعدت إلى سدّة السلطة، عبر صناديق الانتخابات، باعتبارها حركة لاتساوم على تحرير فلسطين، وباعتبارها حركة مقاومة مسلّحة، إلى نوع من مقاربات تفيد بقبولها الحلّ المتمثّل بإقامة دولة فلسطينية في الضفّة والقطاع، وتفيد، أيضا، بأنها معنيّة بالتهدئة، أو بهدنة طويلة الأمد، مع إسرائيل، وأنها باتت أكثر اقتناعا بانتهاج نمط المقاومة الشعبية (كما صرّح مؤخّرا قائدها خالد مشعل)، وهو الشكل الذي طالما قلّلت من قيمته؛ على الرغم أن كل ذلك جاء في مصطلحات حمساوية مداورة. هكذا وبعد تجربة خمسة أعوام من وصولها إلى القيادة، وبعد أربعة أعوام من هيمنتها الأحادية والإقصائية والقسرية على قطاع غزة، لم تستطع هذه الحركة الحفاظ على "طهريتها" السياسية، كما لم تستطع تأكيد صدقية ادعاءاتها بالحفاظ على "الثوابت" الوطنية والنضالية. وبغضّ النظر عن صحّة هذه المقاربات أو عدمها، فإن ما يمكن أن يؤخذ على حركة حماس ليس انزياحها نحو الوسط، أو الاعتدال (إن صحّ التعبير)، وإنما إنها لم تتبنّ هذه المقاربات بنتيجة مراجعة سياسية واعية ومسؤولة لمعطيات وتعقيدات ومداخلات الواقع الفلسطيني الراهن، وأنها لم تقدم على هذه المقاربات بإجراء نوع من النقد الذاتي لتجربتها الخاصة. فعلى العكس من كل ذلك، فهي في هذه التحولات (على ضرورتها وأهميتها لها وللساحة الفلسطينية) تصرّفت كسلطة يهمها تعويم ذاتها، مثلها مثل أي سلطة أخرى، تدّعي الحقيقة، وتسعى لاحتكار العنف، وتفرض وصايتها على الآخرين، وفوق كل ذلك فهي تبيح لنفسها ما تحرّمه على غيرها! ويبدو ذلك بديهيا في متابعة سلوك حماس ومواقفها السياسية. فهي تنظر بشكل عدمي لتجربة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وتقطع مع تراثها السياسي (بما له وما عليه)، فضلا عن أنها تعاني ذات الأعراض التي تعاني منها الحركة الفلسطينية، وضمنها سيادة العقلية التجريبية والمزاجية والشعاراتية، وتفشي مرض المزايدة والمنافسة الفصائلية، ما يؤدي إلى هدر التضحيات وتبديد الإنجازات، بدلا من التقليل من الأولى والبناء على الثانية. في هذا الإطار، ثمة عديد من الأسئلة تطرح نفسها على النقاش، فهل كان قدر الشعب الفلسطيني أن يدفع مئات الشهداء وألوف المعتقلين والجرحى، عدا عن تدمير البيوت والبني التحتية، وإذلال الحصار، وفوق ذلك المرور بتجربة الاقتتال المرير، حتى تصل هذه الحركة إلى ما وصلت إليه، من مراجعة واقعية لأهدافها، وتوجه نحو التهدئة، التي تعني وقف المقاومة المسلحة؟! ألم يكن لدى حماس خيارات وطنية أخرى تجنّبها هذا الثمن، وتجنّب شعبها كل ما مرّ به من محن (لاسيما في قطاع غزة)؟ ثم إلى متى ستبقى العقلية التجريبية والمزاجية، وروحية تقديم الدم والتضحيات على حساب الإنجازات، في الساحة الفلسطينية؟ إن تفحّص الأوضاع تفيد بأن حركة حماس، ومن موقعها المعارض للتسوية، ولكيان السلطة الناجم عنها، والمناوئ لقيادة المنظمة، كانت تملك عديداً من الخيارات، كحلّ المجلس التشريعي، أو حلّ السلطة، باعتبارها كانت تملك الأغلبية في المجلس التشريعي المنتخب، بغض النظر عن نجاح هذا وذاك من عدمه. كما كان بإمكانها القيام بخطوات أكثر عملية، من مثل تشكيل حكومة من شخصيات أو كفاءات، وطنية مستقلة، أو تشكيل حكومة وحدة وطنية من دون أن تترأسها وتتحمل مسؤوليتها. ولكن حماس تجاهلت هذه الخيارات، وعلى العكس، فهي تشبثت بأظافرها وأسنانها بحكومة "سلطة الحكم الذاتي"، وذهبت نحو خيار تشكيل حكومة حماسية، والأخطر من ذلك أنها ذهبت نحو الاقتتال لفرض إرادتها، في سابقة خطيرة، فرضت واقعا من الانقسام بين الفلسطينيين، وقدم خدمة مجانية كبيرة لإسرائيل. وكانت حماس تدرك بأن وجودها في السلطة، مع تشبثها بمواقفها السياسية الرافضة للتسوية، ومع استمرار المقاومة المسلحة وعمليات القصف الصاروخي، في هذه الظروف والمعطيات، ستؤدّي إلى دفع أثمان باهظة منها ومن الشعب الفلسطيني، ومن دون أي مقابل؛ وهذا ماحصل في الحرب المدمرة التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة (أواخر العام 2008)، بحيث افتقد الفلسطينيون المقاومة، المسلحة وغير المسلحة، في غزة كما افتقدوها في الضفة. بالمحصلة فإن عناد حماس، طوال السنوات السابقة، لم يكن بذي مغزى، إذا استثنينا تأكيد الذات في إطار المزايدة والمنافسة الفصائلية الضيقة، وعديمة الجدوى، فهي عادت إلى مربع غريمتها "فتح"، أي إلى مربع القبول بالتسوية في دولة في نطاق الضفة الغربية وقطاع غزة، ووقف كل أشكال المقاومة المسلحة، واعتماد نمط المقاومة الشعبية. والأنكى أنها باتت تعتبر وقف المقاومة انتصارا لها، كما باتت تعتبر التهدئة بمثابة اعتراف إسرائيل بها، بدل أن ترى في كل ذلك استيعابا، وبالأحرى إخضاعا لها! وكان الأجدى بحماس الوصول إلى هذا "الوعي" قبل سنوات عدة، أي قبل التسهيل على إسرائيل معاودتها احتلال مناطق الضفة (2002)، وبناء جدار الفصل العنصري، والانسحاب الأحادي من قطاع غزة (الذي حوله لسجن كبير، وأعفاها من مسؤوليتها عنه)، وقبل الحرب المدمرة على غزة. ولو حصل ذلك لكان الشعب الفلسطيني تجنّب الخسائر البشرية الباهظة، وكل هذا الدمار والحصار الذي أحاق به، ولكانت الحركة الوطنية الفلسطينية تجنبت مفاعيل الاختلاف والاقتتال والانقسام والاستنزاف المجاني. هكذا عادت حماس إلى نوع من "الرشد"، بطريق الإكراه، بدل أن يكون بطريق الوعي، ومن يتابع تصريحات قادة حماس اليوم، يكاد يصاب بالذهول، والأهم بالحيرة، فهي تكاد تستخدم نفس تعبيرات قادة فتح، المتعلقة بضرورة الواقعية وإدراك المصلحة الوطنية. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، إلى متى هذا الضياع؟ أو إلى متى سيبقى الشعب الفلسطيني يدفع ثمن المزايدات والتجارب المكررة والمريرة والعبثية، من دمه وتعبه وعمره؟
|
|
| |
تقييم المقال |  | المعدل: 0 تصويتات: 0
|
|
|