حرب أكتوبر أول انتصار وأول اعتراف بالكيان الصهيوني
حرب أكتوبر الذي يتوافق نشوبها في مثل هذا الشهر (6/10)، على الرغم من إنها سجلت أول انتصار تكتيكي عسكري لصالح العرب ضد إسرائيل؛ إﻻ أن إسرائيل جنت من وراء هذه الحرب أول اعتراف عربي رسمي، كان من مصر الدولة العرببة اﻷكبر في المنطقة، وذلك بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، ثم بعد ذلك بتوقيع أطراف عربية أخرى؛ اﻷردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، في اتفاقيتي وادي عربه وأوسلو، كما حصلت بعد ذلك على اتفاق العرب جميعهم في قمة بيروت على الاعتراف بها وتطبيع العلاقات معها، في إطار تسويه شامله لقضايا الصراع العربي الصهيوني، يتمخض عنها إقامة دولة فلسطينية في حدود عام 67 وحل متفق عليه لقضية اللاجئين، حسب القرار الدولي المتعلق بذلك. وهكذا حصل تغيير جوهري على مفردات الخطاب السياسي الرسمي العربي، بعد هذه الحرب من قرارات مؤتمر الخرطوم إثر هزيمة يونيو/حزيران عام ٦٧، وبذلك حقق هذا الكيان الصهيوني الدخيل الغاصب الذي أقيم بمؤامرة استعماريه على أنقاض الشعب الفلسطيني، حقق حلمه التاريخي الذي كان يسعى إليه منذ النكبة عام 48، وجاءت اتفاقيات التسوية التي أبرمت لتحقق له هذا الحلم.
لقد حررت اتفاقيات التسوية التي أبرمت مع العدو، وكذلك استعداد النظام العربي الرسمي الاعتراف به، حررته من كثير من اﻷعباء العسكرية واﻷمنية مع الدول العربية المجاورة، حيث أعلنت مصر بعد توقيع اتفاقية ااسلام معه، أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب، لكنها في نفس الوقت أطلقت يده في مواجهة قوى المقاومة العربية في فلسطين، خاصة في جبهة قطاع غزة وفي لبنان، على جبهة جنوب لبنان، حيث شهدت المنطقين حروب داميه مع الجيش اﻹسرائيلي منذ عام 2006، وكان آخرها الحرب الصهيونية المدمرة الثالثة على قطاع غزه، والتي راح ضحيتها أكثر من ألفين من الشهداء وآﻻف الجرحى والبيوت المدمرة، وهذه الحروب الوحشية الصهيونية، لم تكن لتحدث لوﻻ سياسات ااعتراف الرسمي والتطبيع الذي قام به البعض تحت عناوين إعلامية وتجارية وسياحية، والذي يشهد الآن هرولة جديدة، بدأت بتوقيع اتفاقيتي الإمارات و البحرين ، وكذلك سياسة المراهنة على التسوية والمساعي الأمريكية المعروفة بصفقة القرن، واﻹنشغال بالصراعات السياسية والطائفية.
وهكذا فإن حرب أكتوبر وما أحدثته من تحوﻻت في الموقف العربي الرسمي؛ فتحت الباب واسعًا للعدو الصهيوني كي يصول ويجول ويعربد في المنطقة، ﻷن هذا العدو الصهيوني هو كيان عنصري ﻻ يستمر في وجوده وأداء وظيفته العدوانية التوسعية والضامنة للحفاظ على المصالح الحيوية الغربية في المنطق؛ إﻻ في إطار الصراع وممارسة كل أشكال العدوان، فالسياسية الصهيونية التي تقوم على الميثولوجيا اليهودية، وعلى أكثر النزعات العنصرية والدينية التي تعتبر وحدة أرض إسرائيل الكبرى هي مبدأ أعلى وأسمى من أي تسوية سياسية، هذه السياسة السلفية الصهيونية، تصل اﻵن إلى مستوى القدرة على تشكيل تهديد حقيقي وخطير لفكرة الواقعية السياسية التي بدأ يتعامل بها الخطاب السياسي العربي الرسمي بعد حرب أكتوبر. فالليكود الحاكم وغيره من الأحزاب السياسية التي تشاركه في الحكم عبر ائتلاف يميني متطرف، ﻻ يريدون جميعهم لإسرائيل أن تكون فقط بحدودها السياسية واﻷمنية الجغرافية التي حصلت عليها بالقوة المسلحة في حرب عام 48، بل يعملون على ممارسة سياسة التوسع والتهديد والضم للأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، وكذلك للجوﻻن العربي السوري وﻷراضي من جنوب لبنان، وهذا التوسع يتناسب مع المخطط الصهيوني اﻹمبريالي في جعل الكيان الصهيوني قوة إقليميه رئيسية.
في الختام، بعد سبع وأربعين عامًا على اندﻻع حرب أكتوبر، وما أحدثته من تحوﻻت في السياسة العربية الرسمية تجاه إسرائيل، السؤال الجدير بالطرح هو: هل ثمة أوراق في يد العرب بعد أن قدموا كل شيء بهدف الوصول إلى تسوية سياسية للصراع؟ وما فاعلية اﻷوراق إن وجدت، في ضوء حقيقة ما يجري في المنطقة من متغيرات؟