استراتيجيات حركة فتح للتحرر:
بين المفاوضات والتدويل والمقاومة الشعبية
منذ أن تبنت حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية العمل السياسي كاستراتيجية للتحرر وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، عقب تبني المشروع الوطني القائم على التحرير والعودة في دورة المجلس الوطني بالجزائر عام 1988م، بدأ الحديث على الآليات التي يمكن من خلالها تنفيذ هذه الرؤية خاصة في ظل الخلل الذي أصاب موازين القوى الدولية عقب سقوط الاتحاد السوفيتي وانكشاف ظهر حركة المقاومة الفلسطينية في بداية تسعينيات القرن الماضي.
وفي ظل اختلال موزين القوى مع تولي الولايات المتحدة الأمريكية قيادة العالم في إطار سياسة القطب الواحد، بمواقفها المنحازة إلى إسرائيل تبنت حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية التسوية القائمة على أساس قرارات الشرعية الدولية ومجلس الأمن وخاصة القرارين 242/338، الذي أقروا أسس التسوية السياسية بعد عدوان 1967م، من خلال القبول بمؤتمر مدريد للسلام والدخول في مفاوضات أوسلو، التي نتج عنها قيام السلطة الفلسطينية التي اعتبرت خطوة على طريق الدولة.
ولأن كل مشروع يجب أن تكون لدية استراتيجية واضحة في كيفية تنفيذ هذا المشروع، وإلا يصبح مجرد كلام وشعارات في الهواء، فالاستراتيجية هي بمثابة خطة العمل في كيفية تنفيذ هذا المشروع، سواء كان مشروع سياسي أو اقتصادي أو مشروع ثقافي، أو غيره من المشاريع، أعتمد مشروع التسوية على ثلاث محددات رئيسية، هي المفاوضات والتدويل، المقاومة الشعبية، تشكل مجتمعة رافعة وطنية وخطة عمل للتحرير وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ويمكن توضيح أبرز معالم كل استراتيجية عبر العرض التالي:
1-المفاوضات: ترتكز استراتيجية المفاوضات على ضرورة التوصل لسلام دائم وعادل وشامل على أساس دولتين لشعبين بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الذي طالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967م، فهذا القرار الذي صدر عن مجلس الأمن هو من حدد ملامح تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، وبناء عليه جرت مفاوضات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وبناء عليه أيضا تم التوصل اتفاق وادي عربة بين الأردن وإسرائيل.
المفاوضات كوسيلة لا يمكن الاستغناء عنها كوسيلة لتحقيق الحقوق الفلسطينية لأننا أمام احتلال عسكري واستيطاني ولا يمكن الانفكاك منه عبر العمل المسلح فقط.
2-استراتيجية التدويل: اعتمدت حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية على استراتيجية إعادة تدويل القضية الفلسطينية في المحافل الدولية بعد انسداد أفق التسوية عقب صعود اليمين الإسرائيلي المتطرف لسدة الحكم، مع تولي نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية في عام 2009م، عبر سياسة تعزيز الاشتباك السياسي والدبلوماسي مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، الذي انتج حصول فلسطين على دولة مراقب في الأمم المتحدة، والانضمام للعديد من المعاهدات والمنظمات الدولية ومراكمة العمل على الساحة الدولية بما يؤدي لتعزيز الوجود الفلسطيني في الساحة الدولية.
3-استراتيجية المقاومة الشعبية والمقاطعة الاقتصادية والثقافية: وهي الاستراتيجية التي ترتكز على عنصرين، هما المقاومة الشعبية التي تحاصر وتواجهه الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدي عبر العمل الجماهيري المنظم، في بلعين ونعلين، والخان الأحمر، والعنصر الثاني يقوم على أساس المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الإسرائيلية على المستوى المحلي والخارجي، من خلال الضغط على الشركات الكبرى لسحب استثماريتها من دولة الاحتلال في إطار حملة BDS، هذه الاستراتيجية اثبتت ناجعتها في مواجهة الصلف الإسرائيلي وكبدت الاقتصاد الإسرائيلي العديد من الخسائر المادية.
صحيح أن مشروع التسوية يرتكز على العمل السياسي والدبلوماسي والمقاومة الشعبية؛ لكن هذا لا يعني أن مشروع التسوية يعني الاستسلام للاحتلال الإسرائيلي بأي حال من الأحوال، بل هو مشروع مقاومة فأق واسعة وأدوات تواكب التحولات والتطورات الدولية والإقليمية والاختلال في موازين القوى الدولية، مشروع يعمل على مراكمة النضال الوطني في كافة الساحات المحلية والعربية والإقليمية والدولية لمواجهة الصلف الإسرائيلي والانحياز الأمريكي الفاضح للاحتلال الإسرائيلي.