حين يتحول التاريخ إلى أدب
بقلم الإعلامية نادية الصبار
إذا كان التاريخ تسجيلا وتوصيفا وتحليلا للأحداث عبر إعادة بناء الماضي كما كان عليه زمانه ومكانه على أسس علمية محايدة للوصول إلى الحقيقة فنتمكن من فهم الحاضر والتنبؤ للمستقبل.
وإذ التاريخ لا يكتب في غياب الوثيقة فإن الابستمولوجيا الأمريكية ولغرض في نفس يعقوب قامت بإسقاط نظرية ظهرت مع البنيويين الفرنسيين أمثال "ليون بارت" و"دريدا" و"ميشيل فوكو" الذين تحدثوا عن موت المؤلف، فرولان بارت في مقالته: "جمود النص وموت المؤلف" تحدث عن ثلاثة مفاهيم بمثابة معابر تقود للذة النص: النص و الكتابة ثم القراءة؛ هذا و أن ما توصل إليه رولان بارت حسب بعض المختصين ليس جديدا؛ فقد ورد في كتابات عربية و أبرزها نظرية النظم عند الجرجاني والملامح النقدية عند القرجاني وابن اثير الموصلي...
على أي؛ فلقد تم إسقاط النظرية من طرف الابستيمولوجيا الأمريكية على النص التاريخي على اعتبارات من بينها أنه ما من إمكانية لإجراء دراسة حقيقية للإنسان أو الطبيعة البشرية وتباعا لا يمكن الوصول بتاتا للحقيقة ولو مع استعمال الوثيقة كوسيلة حجاجية قد تعطي النص التاريخي قوته؛ هذا إذا لم تكن خلفيات معينة تقود المؤرخ لتقويض الوثيقة و تأويلها وفق غايات. فمؤرخوا البلاط عبر التاريخ أولوا الوثائق والنصوص و فق غايات تملى عليهم وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها...و هنا نسوق القولة الشهيرة للشاعر الفرنسي:" التاريخ يبرر ما نريد؛ إنه لا يعلم شيئا بدقة وحزم...التاريخ أخطر محصول أنتجته كيمياء الفكر".
وبناء على هذه الاعتبارات ترى الابستيمولوجيا الأمريكية بأن الثقافة الإنسانية يمكن فهمها عن طريق الوسائل البنيوية على غرار اللغة باعتبارها نسقا من الإشارات و الرموز وأداة من أدوات المعرفة. هذا ما دفع الدكتور "عبد الحق بوعزة"لأن يهتم بهذا الموضوع الذي لم ينتبه له العلماء العرب بل ما أعاروه الأهمية التي يحب ان تولى له والغوص في خلفيات هذا الإسقاط ومدعاة هذا الإسقاط عبر ما أسماه المنعرج اللساني. فقد جاءت مداخلته باللغة الفرنسية تحت عنوان: "Le concept du liguistic turn ou quand l'histoire devient genre التي قدمها بمؤتمر مقاربات في نسخته الثانية في موضوع:" المفاهيم في العلوم الإنسانية الذي نظمته مؤسسة مقاربات بشراكة مع كلية ظهر المهراز فاس ومختبر التواصل وجمالية النص وبتنسيق مع حلقة الفكر المغربي والذي دارت رحاه بدار الثقافة لافيات يومي 17و 18فبراير 2018. و الأجمل أنه قدم مداخلته بالفرنسية بحكم تخصصه و أفرد لها حيزا قدم فيه مضامين مداخلته القيمة باللغة العربية احتراما للحضور و للغة الأم. وللإشارة فالمداخلة جاءت محكمة بالجزء الثالث من مطبوع شمل كل أشغال المؤتمر من منشورات مؤسسة مقاربات بعنوان "المفاهيم في العلوم الإنسانية -مرجعبات وتصورات -.
يقول الدكتور عبد الحق بوعزة أن هذا الإسقاط حول التاريخ إلى أدب والتاريخ ليس أدبا وهذا أمر خطير جدا، و قد تكلم بحرارة المثقف وأرق الكاتب كيف أن المغكرين العرب لم ينتبهوا للأمر وغاب عنهم الاشتغال على هذا المنعرج اللغوي وكيف تحول التاريخ إلى أدب. فما أسماه منعرجا لغويا قال أنه كان سباقا إليه فإنه ورد بكتابات أخرى تحت مسمى الانعطاف اللغوي و إن كنت أرى مفهوم المنعرج اللغوي أصدق معنى و أبلغ.
فحسب ذات المحاضر و في سؤال طرحناه عليه وقد شدتنا مداخلته؛ فإن أمريكا نجحت من خلال البنيوية إلى ضرب كل الخطابات وعبر المنعرج اللغوي حولت الخطاب التاريخي كآخر خطاب مستهدف و الذي أساسه الوثيقة إلى خطاب أدبي. وحين سألناه عن الخلفية من وراء ضرب الخطاب التاريخي وهل تعاني أمريكا مركب نقص اسمه التاريخ لأنه شاهد على تاريخها المشؤوم و إبادتها لحضارة و لشعوب أصلية لتؤسس حضارة مجتثة على أنقاض الإبادة و تجارة الرقيق وعلى تصريف أزمة أوربا إلى القارة الجديدة، أجاب بأن الخلفية هي أيديولوجيا تحاول القضاء على التاريخ والتاريخ ككل.
أيديولوجيا تفقد النص التاريخي و تخرجه من حمولته و تجعل من الرواية التاريخية تتربع على عرش التاريخ . بيد أنها ضرب من الرواية يمتزج فيه التاريخ بالخيال ليقوم بتصوير عهد من العهود دون أن يتقيد بها... و الواقع أن الروايات التاريخية رغم شعبيتها الكبيرة فإنها لا ترقى إلى مستوى التاريخ.