التي صفحت عن المتسبب في مقتل ابنها
رئيس تحرير مكلف بالمتابعة
الدّرس المؤثر الذي قدمته الفلسطينية "أم نور" قبل أيام في محكمة الأحراش والتي صفحت عن المتسبب في مقتل ابنها، ليس لأنه قتل خطأ أو لأنه قضاء وقدر، لأن الوفاة كانت على إثر حادث مرور، ولكن لأن المتهم جزائري ويكفيه ذلك من وجهة نظر أم نور لتصفح عنه، وتعترض على سجنه، والأكثر من ذلك تقبيله أمام دهشة الحاضرين في المحكمة...
هذا الدرس البليغ يجعلنا نتساءل: هل نحن في مستوى هذا الحب والتقدير الذي يكنه الفلسطينيون لنا؟ وماذا قدّمنا للقضية الفلسطينية حتى ننال هذه الدرجة الرفيعة في نظر الفلسطينيين؟
القضية الفلسطينية لازالت حيَّة في قلوب الجزائريين، ولعل مقابلة كرة القدم التي جمعت بين الفريقين الأولمبيين الفلسطيني والجزائري وما صاحبها من مشاهد تُسجّل لأول مرة في تاريخ كرة القدم حين تحول الجمهور الجزائري إلى مناصرة الفريق الفلسطيني ليس بُغضا لفريقه ولكن حبا للفلسطينيين واعترافا بالتقصير في حقهم وهم الذين يواجهون الآلة الإسرائيلية بصدور عارية بعد أن تخلّى عنهم العرب والمسلمون عموما وتركوهم يواجهون مصيرهم، فيما انشغل العرب بالفتن الطائفية والحروب العرقية خدمة لمصالح القوى الكبرى بما فيها مصلحة الكيان الصهيوني.
لقد ماتت القضية الفلسطينية ولم تعُد ضمن أولويات الكثير من الشعوب العربية، بعد أن تمكّن البُعد الطائفي من اختراق الوعي العربي وتحوّلت النخبة نحو عدوّ جديد يتربص بالعرب والسنة تحديدا، وأصبح الإعلام العربي ينفث سمومه الطائفية يوميا في أوساط الشباب الذي اقتنع بفكرة أن محاربة "الروافض" وإبادتهم أولى من محاربة الكيان الصهيوني، ونفس الفكرة يروِّج لها قسمٌ كبير من المعمّمين الشيعة الذين يجيِّشون الجيوش لمحاربة "النّواصب" وكسر شوكتهم.
مصطلحاتٌ بالية تم استخراجها من طيات الكتب الصّفراء وأُسقطت على الواقع لتخدير الشعوب وإغراقها في خلافٍ عمره أربعة عشر قرنا، وإفراغ الوعي العربي من القضية الفلسطينية وما تمثله من قيم التحرُّر ومواجهة المحتلين، ولعلَّ هذا هو السر في اهتمام الفلسطينيين بالجزائر وتاريخها وشعبها الذي لا يؤمن بهذه الخزعبلات الطائفية التي أكل عليها الدهرُ وشرب.
الفلسطينيون ينظرون إلى الجزائر ويستلهمون منها معاني التّحرر والانعتاق من الاستعمار، وهو بالذات ما قصدته أم نور وهي تعفو عن قاتل ابنها بقولها "يكفي ابني أن يُدفن في بلد الشهداء، فقد مات في الجزائر التي ساندت القضية الفلسطينية في كل المحافل منذ عهد الرئيس الراحل بومدين".