خرابيش(13)
خرابيش(13)
نبيل عبد الرؤوف البطراوي
بشيء من المأساة والفخار وحالة الصور التي تشخص امام الجميع كأنه الانتحار, وتحدي عاري الصدر لرشاش في زمن الفجار, فالصورة هنا تحتل مكان الصورة ,والشهيد يحتل موقع الشهيد ,والجريح يطارد الجريح, والنازح يزاحم النازح ,الكل هنا يبحث عن الكل ,وحينما يكون اللقاء ويكون الحديث وتقليب الصفحات تشخص الصورة التي لا تغادر المشهد ولا تختلف الا في مكان عرضها كالمسرح القديم قبل اكتشاف التصوير ,وهنا الاختلاف ان المشاهد حقيقية دون تمثيل ,فلا مكان هنا للخدع البصرية في تمزيق الاشلاء ولا في سيل الدماء ولا في الرؤوس المتطايرة ,فلم يعد الاطفال اليوم بحاجة الى من يسرد لهم القصة القديمة (الغولة) لانهم باتوا يشاهدونها في كل لحظة في كل يوم يرون الالاف الصور والمشاهد والبيوت المهدمة الى درجة انهم اصبحوا يتحدثون في كل شيء من تركيب الاطراف الصناعية الى البيوت المؤقتة, الى التهدئة ,وانواع الطائرات والصواريخ المحلية الصنع وأسمائها وكأنها باتت شيء من درس التحرير ومدها واين تسقط نعم لقد نشطت ذاكرتهم في مدن فلسطين التاريخية والصواريخ التي تقذفها طائرات العدو الصهيوني وأغراضها ,وهنا يقرع جرس المدرسة في الصباح ليذكر الطلاب ومن حولهم بأن العام الجديد قد حان ومقاعد الدراسة بشوق الى أهلها ولكن يبدوا انها قد استأنست بضيوفها الجدد الذين لم يجدوا مكان غير هذا المكان حينما ضاق عليهم الزمان واصبح شبح الموت يطاردهم يطارد أطفالهم حتى في المكان الذي اعتقدوا انه أمن حسب المؤسسة الاممية صاحبة العلم الأزرق ,وهنا تصحوا صابرين من نومها الذي اجبرت عليه من شدة التعب بعد يوم طويل من اللعب مع اقرانها الذين جمعوا في غير موعد المدرسة في ساحة المدرسة على صوت انفجار صاروخ دمر منزل مجاول للمدرسة وأخذت تقذف أمها بسيل من الاسئلة عن نوع الطائرة ونوع الصاروخ وعدد الشهداء والجرحى من النساء والاطفال وتسأل عن الموت والحياة وعن دروسها وجدوى تعلم الحساب والعربي والتاريخ والجغرافيا والمدنية والوطنية والتكنلوجيا وهل كل هذه العلوم سوف تسأل عنها حينما تكون شهيدة ,وهنا وقبل أن تغفوا صابرين مرة اخري تسأل أمها عن عمرها فتقول الام عمرك حربين يا صبرين فتسأل ثانية وأختي أمل كم عمرها ؟فتجيب الام :عمرها أمل ثلاث حروب وهي تغفوا تقول وكم عمر أخي محمد فتقول الام والشهيق يخرج كالجرح الذي بداخلها عمر محمد من زمن الانقسام ,وهنا تغض صابرين في نومها وكأنها ترفض هذا الواقع الذي لم تعد تريد ان تعرف عنه الكثير ولا أن تبقى فيه وهنا تأتي غربان الليل الصهيوني مع فجر اليوم الجديد ليجعل من صبرين صورة وأشلاء وقصة لتأخذ الرقم الاخير في شهداء الطفولة والاول في هذا اليوم الدامي الذي أغلق على رقم 130شهيدا جلهم من الاطفال والنساء والشيوخ ,وهنا الموت دون عزاء دون دموع دون شموع دون بكاء فالهم يتقاسمه الجميع والموت موزع على كل البيوت وكأنه المعونة اليومية التي توزعها المؤسسات الدولية على النازحين ,الكل ينتظر دون ان يعلم من سيكون الرقم او الصورة او المشهد القادم ,وهنا تودع أم محمد صابرين الى حيث طيور الجنة في العليين وتحتضن محمد وأمل .....لتنظر الى حيث الشمس ترسل نورها لكسر عتمة ذاك اليوم العاصف لتمسح عن وجه أمل الدموع التي لا تدري السبب وراء كونهم باتوا مشردين بلا بيت بلا احبة بلا صابرين ,لماذا تسكن في المدرسة ولماذا اليهود يلاحقوهم بالقتل في كل مكان وتدخل فيروز بصوتها الرائع عبر النوافذ المشرعة مع نسمات الصباح وهي تقول بكل أسرار وعزيمة _سنرجع يوما الى حيفا_ ونغرق في دافئات المنى ,سنرجع يوما مهما يمر الزمان ,وتنأى المسافات فيما بيننا وهنا تنظر الام الى عيون أمل وكأن الجواب أتى من حيث لا تدري ,فتقول نحن هنا من أجل يافا وحيفا وصفد ,من أجل ان نبقى هنا على هذه الارض ,وكل الشهداء هم القناديل التي سوف تنير لكم ولنا ولكل الاجيال القادمة من اجل ان تعودوا يوما ,وهنا الصمت يخيم على الأم لأنها لم تجد بين ذراعيها سوى طفلة لا تجيد معرفة تلك الكلمات ,وأن رددتها لا تعلم بأن لها هناك حيث حيفا وعكا وبيسان تاريخ ووجدان وذاكرة لا يمكن أن يتسلل لها النسيان لأنها محفورة في القلب والوجدان ,وينطق حنظلة ليقول :سيعود غسان الى حيفا ,وسنزرع في غزة بساتين الكرامة لتزهر ونوزع ثمارها على كل بلاد العرب علهم يعرفون طعمها ولونها وشكلها لكي يعيشوا كتلك الملايين التي انتفضت ورفضت حالة الظلم والقهر والقتل في شوارع جوهانسبرغ ولندن وباريس وبروكسل ودول امريكيا الجنوبية وشوارع نيو يورك ,وتحضر كرامة دريد لحام في كأسك يا وطن وهو ثمل ويتحدث عنها لأبوه وهو ميت حين حدثه عن الوحدة العربية وتحرير فلسطين وغزو العرب الفضاء وعدالة القضاء ولكن حينما انتهت السكرة قال: أبي ما تصدق اليمن صاروا يمنيين, والسودان صاروا سودانيين والعراق ما بعرف كم قطر صاروا وسوريا عشره وليبيا كل قبيله صار ألها هبيله والباقيين تحت المنشار حسب الديكور في الجمعية العمومية عوزين نزيد مقاعد العرب لنحرر فلسطين بالتصويت هناك 26-8-2014
|