لن يرحمنا أحد ما لم نرحم أنفسنا!
لن يرحمنا أحد ما لم نرحم أنفسنا!
كتب طلال عوكل:
في كل مرة، يبادر فيها الجيش الإسرائيلي، إلى قصف مواقع في قطاع غزة، تثور أسئلة الصحافيين، التي لا تعبر عن حقيقة مشاعر السكان، الذين لم يعودوا يهتمون كثيرا بعدوانات إسرائيلية واسعة او محدودة، فهذه بالنسبة للناس متوقعة في اي وقت، طالما ان إسرائيل هي التي تبادر إليها وليس الفلسطينيين، هذا لا يعني ان الناس في قطاع غزة لا يكترثون بالمصائب التي تقع على رؤوسهم في كل مرة تقوم فيها إسرائيل بشن عدوان واسع على القطاع، ولكن على الجميع ان يصدقوا بأن المواطن الفلسطيني يتألم ولكنه لا يغضب مما يتسبب به المحتل الإسرائيلي من آلام، ولكنهم يغضبون ويتألمون اكثر، حين يترتب عليهم ان يدفعوا أي ثمن مهما كان بسيطا، لأسباب تتصل بالصراع الداخلي، أو باستمرار الانقسام.
ليس علينا ان نبحث كثيراً، عما إذا كانت إسرائيل تحضر لعدوان عسكري واسع ضد قطاع غزة الآن، فبالإضافة إلى ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون، بأن أمن غزة، يتحقق عبر أمن إسرائيل، فثمة حسابات أُخرى تتصل بالمفاوضات وبالموقف الأميركي الذي لا يرغب في أي سلوك يمكن ان يهدد استمرارها.
غير ان هذه الأسباب والعوامل تظل مؤقتة ومرهونة بتطورات الوضع سواء على جبهة المفاوضات الجارية، أو على جبهة التطورات التي يمكن ان تقع على مبنى الائتلاف الحكومي القائم في إسرائيل، والذي قد يتعرض للانهيار او التبدل، استجابة لأسباب خارجية.
الفلسطينيون في قطاع غزة لهم حساباتهم، التي لا تقوم على المبادرة نحو التصعيد وذلك لأسباب كثيرة، قد يفسرها الإسرائيليون على طريقتهم ولكن للفلسطينيين تفسيرات أخرى، والحال ان إسرائيل لا تزال ترى فائدة كبيرة من استمرار الانقسام الفلسطيني، وحصر المفاوضات، جغرافيا بالضفة الغربية، بعيدا عن قطاع غزة وما فيها، ولكن بدون ترك قطاع غزة على حاله، ليراكم المزيد من أسلحة القوة، كما يدعي الإسرائيليون.
اذا كان هذا يتطابق مع الموقف الأميركي كما عبر عنه كل من الرئيس باراك أوباما، ووزير خارجيته جون كيري، هذا الموقف الذي أشار الى ان غزة ستجد ما يلهيها، فإن الإسرائيليين يجدون في استمرار الانقسام، ذريعة للضغط على السلطة الفلسطينية، من باب التشكيك في التمثيل الفلسطيني، او القدرة على دفع استحقاقات السلام الذي يريدونه.
ولكن ماذا يقصد الأميركيون بحديثهم عما سيكون لغزة ما تتلهى به؟
موقع ‘والا’ الإسرائيلي الأمني، أشار عن مصدر مسؤول قوله، إن إسرائيل ستمارس على قطاع غزة ضغوطا اقتصادية، في هذه الحالة ستكون مثمرة جداً، بسبب تدمير شبكة الأنفاق على الحدود بين قطاع غزة ومصر.
اما الرئيس الإسرائيلي الطاعن في السن شمعون بيريس، فقد هدد بقطع كل المساعدات الخارجية التي تصل الى قطاع غزة، وفي الحال وكترجمة فورية لهذا التوجه الذي يتجاوز حدود التهديد الى العمل المباشر الملفت أغلقت إسرائيل معبر كرم أبو سالم، وهو المعبر الوحيد، الذي يشكل منذ بعض الوقت الشريان الذي يغذي القطاع باحتياجاته الاقتصادية والإنسانية.
إسرائيل اذن تنتقل بحصارها للقطاع، الى مستوى خنق وتجويع سكانه، الامر الذي يهدد كل قطاعات الحياة الإنسانية، ويترتب عليه، نتائج اشد صعوبة من نتائج العدوانات العسكرية.
على ان إسرائيل، ومن يواليها، يتجاهلون ان العنف أخذ في التصاعد بشكل متسارع، خارج قطاع غزة، وبما في ذلك أراضي 1948، حيث تتزايد العمليات العسكرية، وعمليات الطعن بالسكاكين، والدهس وكل ذلك يشير إلى أن ثمة مؤشرات حقيقية، نحو اتساع نطاق وكثافة هذه العمليات.
حين نفحص أسباب هذا التصعيد، الذي يحذر بعض القيادات الإسرائيلية من ان يتطور الى انتفاضة واسعة على غرار انتفاضة الأقصى، سنجد أن إسرائيل هي التي توفر وعن قصد وتخطيط الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى انفجار الأوضاع على نحو واسع.
ففي داخل مناطق الخط الأخضر، تتزايد القرارات والممارسات، والتشريعات العنصرية، التمييزية ضد الفلسطينيين من مواطني دولة إسرائيل، وفي المناطق المحتلة عام 1967، فإن قائمة الاستفزازات، والممارسات الإسرائيلية لا تنتهي، وفي ظل حالة الإحباط والتشاؤم التي تسود المفاوضات، فإن أوضاع الفلسطينيين تتفاقم باستمرار، بحيث سيأتي الوقت الذي لا يعود فيه لأحد القدرة على السيطرة عليه.
إسرائيل تقوم على نحو متعمد بتصدير أسباب فشل المفاوضات او تعثرها الى الطرف الفلسطيني، وتمالئها في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، التي لا تكف عن الضغط على الفلسطينيين من اجل الهبوط بسقف مطالبهم الى الحد الذي يستجيب للمطالب الإسرائيلية المتزايدة.
بعيداً عن الرغبة في الاصطياد في المياه العكرة، او تقييمات الضعف والقوة، وبعيدا عن الصلوات، والنصائح المغرضة فإن قطاع غزة مقبل على أوضاع اشد صعوبة من اي وقت مضى.
حكومة الببلاوي أصدرت قراراً باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وذلك بعد ان نزعت عنها الشرعية القانونية، وهو أمر ينسحب على كل افرع الجماعة بما في ذلك في غزة، والحال عموما يزداد توترا وسوءاً بصدد علاقات مصر بحركة حماس وسكان القطاع بالمعية، كنت قرأت مقالة للباحث الفلسطيني جميل مجدي، هي عبارة عن رسالة، تنضح بالوطنية للأخ إسماعيل هنية، يقترح عليه فيها المبادرة لدعوة الرئيس عباس إلى قطاع غزة من اجل تشكيل الحكومة، وتحديد موعد الانتخابات بما في ذلك للمجلس الوطني الفلسطيني، وحتى تبدأ عملية تنفيذ بنود المصالحة كما تم الاتفاق عليها.
كان هذا الاقتراح، او هذه النصيحة امس افضل من اليوم، ولكنها اليوم افضل من الغد، ولذلك فإنني أضم صوتي إلى صوت الباحث مجدي، والى أصوات شخصيات وطنية مستقلة كنت من بينهم، الذين تقدموا مبكراً بهذه النصيحة، فالوحدة هي القوة، وهي تستحق أن ندفع من أجلها، اكثر مما ندفع في غيابها، وهو كثير جداً على اي حال.