نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

الشهيد الرئيس أبو عمار

 في ذكراه الأولى

 بقلم: عبد الرحيم ملوح *

 

من أصعب الأمور الكتابة عن الشهيد الرئيس الراحل ياسر عرفات، الكتابة عنه لن تفيه حقه وحق شعبه ولن تملأ جانبا صغيرا من سفر  حياته ونضاله الطويل، فهو الذي تجاوز نصف قرن من الزمن مليء بالصراعات والأحداث في منطقتنا والعالم، وكان لرئيسنا الراحل دور كبير فيها كما كان لقضيتنا وثورتنا الوطنية التحررية موقع  بارز فيها .

من أصعب الأمور الكتابة عن شهيدنا، هل نكتب عن ياسر عرفات أو أبو عمار او الختيار او رئيس دولة فلسطين أو رئيس منظمة التحرير الفلسطينية لثلاثة عقود ونصف، أم القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية، أم رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، أم رئيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" أم الجبهة العربية المشاركة أم كل هذا ؟

هل نكتب عن القائد الذي لعب الدور الأول والأهم في إيقاظ وإبراز الهوية  الوطنية الفلسطينية المستقلة بعد كل محاولات طمسها وتبديدها، واستحق عن جدارة لقب "أبو الوطنية الفلسطينية المعاصرة" كما وصفه أحد الكتاب العرب، هل نكتب عن الرئيس الذي اختار دائما أن يكون في مقدمة الصفوف وقلب المعارك، مهما كان طابعها بل كان قائدا لها، بما فيها تلك المعارك موضع الالتباس والاختلاف، وكان أول قائد دخل الوطن المحتل بعد حرب عام 1967، وفي قلب معركة الكرامة، وفي قلب معارك أيلول وجرش ومعارك الدفاع عن الثورة والوجود الفلسطيني في لبنان بما فيها معركة الدفاع عن بيروت عام 1982 والدفاع عن طرابلس ومخمياتها عام 1984 وآخرها معركة الدفاع عن الشعب والسلطة الوطنية، رغم حصاره الطويل في مقره برام الله .

أنكتب عن القائد السياسي الذي شغل العالم لعدة عقود وجابهه مبشرا بحقوق وقضية شعبه وباحثا عن الدعم لها.

القائد السياسي الذي ناشد العالم من على منبر الأمم المتحدة قائلا : جئتكم أحمل البندقية بيد وغصن الزيتون باليد الأخرى فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي، مكررا عبارته هذه ثلاث مرات وكأنه يستمع لوصية نيكولا ميكافيلي لأميره عندما قال : "إن النبي المسلح هو فقط الذي ينتصر... أما الأنبياء العزل من السلاح فيعلقون على المفارق"

وعلى الرغم من مرونة الشهيد الرئيس القائد عرفات السياسية والتي نظر لها الكثيرون من شركائه وزملائه في القيادة الفلسطينية بأنها وصلت حد التنازل او التفريط، خاصة عند موافقته على اتفاق اوسلو، إلا انه كان يعرف دائما حدود المواقف فلا يتجاوزها لأنها تمثل قناعته السياسية، وتمسكه بالمشروع الوطني التحرري الفلسطيني، وتعبر عن رؤيته للظروف السياسية المحلية والإقليمية والدولية، ولكيفية إدارة الصراع في إطارها، وبلغ بالكثيرين وصفه بميكافيلي عصره وبخاصة في منهج إدارته للعلاقات الداخلية، واسلوب قيادته للمؤسسات الوطنية الفلسطينية، ولكن ما مميزه باستمرار عن ميكافيلي، رغم لجوئه في الممارسة العملية الى الكثير من وصاياه وأساليبه هو انه كان دائما يسير على بوصلة الوطن، والجاذب المغناطيسي لبوصلته السياسية ليس شخصه وانما المشروع الوطني الفلسطيني بتقرير المصير والدولة والعودة وبالقدس عاصمة دولة فلسطين المستقلة ولم يقف في طريقه اليها أي عائق مهما كان نوع الانتقاد الموجه لأسلوب عبوره ومهما كان عبوره ثقيلا على شخصه معنويا وسياسياً وماديا وكان دائما يراهن على تفهم شعبه بما فيهم خصومه السياسيون.

إن الرئيس الراحل عرفات من نوعية القادة  الكبار الذي يصل بهم الامر في معظم الأحيان الى التماهي بين المشروع الوطني وشخصهم، ورغم المأخذ على من يصابوا بهذه  الحالة بان المشروع الوطني مشروع كل الشعب، وليس مشروعا مقتصرا على القائد او القادة مهما بلغت رمزيتهم، الا ان الرئيس الشهيد ابو عمار رغم عملية التماهي التي عاشها مع المشروع الوطني لم تدفعه الى التضحية بالمشروع الوطني لحساب شخصه كما حصل مع بعض القادة في التاريخ، بل على العكس من ذلك فانه ضحى بكل ما هو شخصي بما في ذلك حياته من اجل  نصرة المشروع الوطني الفلسطيني ومن اجل حرية واستقلال شعبه .

الشهيد الرئيس عرفات من طينة القادة الكبار الذين يتقدمون الصفوف  حتى الاستشهاد. من القادة الذين امتنعوا عن الاستشهاد خارج ارض الوطن رغم تعرضهم له يوميا ،من القادة الذين يتقدمون الصفوف في العودة للوطن بل لحفر قبورهم فيه، حتى لو كان مكان حصارهم، من القادة الذين أصروا على رفع علم فلسطين على شاهد قبورهم، انتظارا لنقل رفاتهم الى القدس عاصمة دولة فلسطين الأبدية لرفع علم فلسطين عليها وعلى شواهد قبورهم فيها، وكان شعاره في الاغتراب والحصار : "على القدس رايحين شهداء بالملايين" .

الشهيد ابو عمار من القادة الذين اختاروا مكان استشهادهم في قلعة صموده برام الله مصيف فلسطين وأكثر بقعة في العالم دفئا لياسر عرفات وأبو علي مصطفى، لأنها جزء غالٍ من الوطن الذي قال عنه الشاعر :"وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني عنه بالخلد نفسي" إنها حكاية الرجال القادة الذين كانوا مثالا  في حياتهم وباتوا قدوة في استشهادهم .

ان شارون ووزير دفاعه موفاز  عندما اختارا حصار الرئيس عرفات حتى اغتياله، لم يختاراه لتوجيه رسالة سياسة ما أو انتقاما لعمل ما، لقد اختاراه لأنه يمثل أكثر من كل هذا، اختاراه لما يمثله للشعب الفلسطيني تاريخا وحاضرا ومستقبلا، اختاراه لما يمثله من رمزية واعتقادا منهم انهم باغتياله يغتالون الرمز والوحدة الوطنية والاستقلال والسيادة والمؤسسة معا، ولكن رغم فداحة الخسارة وحجم الحدث ،فالشعب الفلسطيني باقٍ موحد متمسك بحقوقه وباهدافه، واستشهاد القادة وفي مقدمتهم ابو عمار زاده صلابة وإصرارا ومجريات العام الماضي واحداثه خير دليل على هذا .

حينما سيكتب تاريخ فلسطين بعد الانتصار، أيا يكن القادة المتواجدون في احتفال النصر، سيكون الشهيد الرئيس ابو عمار ضيف الشرف الأبرز، الغائب الحاضر،والجالس على كرسي التاريخ حاملا معه تضحيات الأجيال ورسالتهم للمستقبل.

وكما كان الشهيد الرئيس ياسر عرفات وشركاؤه في القيادة والشهادة صادقين مع أنفسهم وأمناء للمشروع الوطني التحرري الفلسطيني، مشروع الحرية والاستقلال والعودة، ومع شعبهم ، وكما زرعوا بفلسطين مشاعل الحرية التي تتغذى بزيت زيتون فلسطين، وغرسوا  بعقل ووجدان كل فلسطيني الاعتزاز بالشعب وبالوطن وبالهوية الوطنية الفلسطينية والفخر بها.

في الذكرى الأولى لاستشهاده يجدد الشعب الفلسطيني تأكيده على الوفاء للشهداء، والوفاء للمثل والقيم والأهداف الذي حملها وضحى من أجلها الرئيس عرفات وشركاؤه في الثورة، وفي الشهادة وفي صنع المستقبل .

ــــــــــــــ

* عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية

 (من داخل سجن عوفر الاسرائيلي)