نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

أبو  عمار القائد والمناضل والزعيم

بعد مرور عام على استشهاده

سليم الوادية *

 

في بلادنا كما في سائر بلاد الدنيا نعشق الحرية، ونقاوم الظلم، دمنا يسبقنا في ري أرضنا العطشي للخلاص من لصوص الأرض، ومستعبدي البشر، ندافع عن حقنا في الحياة والحرية والكرامة كسائر شعوب الأرض، نناضل من اجل احلامنا غير المستحيلة، نقاتل من أجلها، ولا نحاول أن نبني قصورا في الهواء، وفي المواجهة تشتبك الارادات، وقد تهيمن إرادة الشر والاحتلال والعدوان لفترة من الزمن، لكن إرادة الحق والخير والسلام ستحرز النصر في النهاية، وفي المواجهة الساخنة نودع الشهداء على مدار الزمن، لكننا لا نتعرض للانهيار، وقد نسقط خلال التفاصيل اليومية لقوة البطش والقهر، لكننا سرعان ما ننهض من جديد، نضمد جراحاتنا، نواري عذاباتنا، نصمد في وجه الشدائد والمحن ولا نسقط الراية وهو الدرس الأول الذي تعلمناه من سيد الشهداء ومعلم الرجال شيخ الثوار ومفجر ينابيع الأمل وأول من قال لن يكتمل حلمي إلا بك يا قدس، وهل في الدنيا أحد لا يعرفه إنه القائد والزعيم والشاهد الشهيد ياسر عرفات.

نعترف حين افتقدناه قبل عام من الآن  أنه لم يكن في بال أي منا أنه سيأتي ذلك اليوم الذي نودع فيه أعظم الرجال وأنبلهم، وحين غادرنا من عرينه في رام الله الى أجمل عواصم الدنيا باريس للعلاج، لم نكن نعتقد للحظة أننا سنستقبله جسداً بلا روح، بل كنا نستعد لاستقباله حيا وهو يشير لنا بيده راسماً شارة النصر، وحين حانت ساعة الحقيقة التي أربكتنا وكأنها الزلزال لم نمنع أنفسنا من البكاء، لقد حدث ما لم نتوقعه وأوقفت كل محطات الراديو والتلفزة وكل وسائل الإعلام في عواصم العالم برامجها لتعلن وفاة القائد والزعيم الثائر والمناضل، الإنسان الشاهد والشهيد ياسر عرفات.

في تلك اللحظة العصيبة التي توقف فيها الزمن امتد الحزن مخيماً على معظم عواصم هذا العالم، وعلى أي حال كان لا بد لنا أن نخرج من هذه الصدمة لنواصل طريق الزعيم الخالد ياسر عرفات.

كان لا بد أن نقف ونشحذ الهمم لحماية إرث هذا العملاق، الإرث التاريخي والسياسي والحضاري والنضالي على طريق التحرر والإنبثاق، فهو تاريخنا جميعاً، فياسر عرفات هو الأب والمعلم والقائد والزعيم، لقد كتب بكوفيته عنوان الفلسطيني ورسم بيده شارة انتصار السلام على الحرب، لقد خاطب كل الأجيال عبر كل القنوات النضالية ضمن خطته السياسية الفلسطينية الراهنة.

لقد عمل ياسر عرفات في بلورة الهوية الوطنية الفلسطينية ولعب دوراً محورياً في تحويل مخيمات اللاجئين الى بؤر ثورية ونجح أيما نجاح في إعادة اسم فلسطين الى خارطة المنطقة، وكرس استقلالية القرار الوطني ونفض الغبار عن أقدس قضية في العالم، وأقنع معظم دول العالم بعدالتها كما وكرس ياسر عرفات نمطاً من العلاقات العربية الفلسطينية يصعب نفي أسسها وجذورها وراكم رصيداً نضالياً هائلاً لا يمكن تجاوزه، ليصبح الفلسطيني رقماً صعباً في  المعادلة السياسية.

إن ياسر عرفات سيبقى حاضراً في الذاكرة الفلسطينية لأنه عنوانها.

منذ صباه كان ياسر عرفات سفيراً لفلسطين، حيث أسس رابطة طلبة فلسطين في مصر، وكان يشكل في حراكه وعلاقاته جسراً لعبور الفلسطينيين من التشرد والضياع   إلى الثورة والفداء، وكان مهندس الانطلاقة في الفاتح من يناير عام 1965 و مفجر نفق عيلبون، وعندما خيم الضعف العربي بعد نكسة الخامس من يونيو/ حزيران كان المؤسس للأمل والانتصار، فكان قرار الدخول الى الاراضي المحتلة ليعيد تشكيل الخلايا الفتحاوية وكان  قرار المواجهة في الكرامة حيث سقطت مزاعم الجيش الذي لا يقهر إلى  الأبد.

لقد قاد ياسر عرفات حركة فتح في معارك الحرية والاستقلال ورسم بكوفيته معالم المشروع الوطني بثوابته التي تجذرت في عقل ووجدان كل الفلسطينيين.

لم يكن ياسر عرفات قائداً "لفتح" بل كان قائداً وزعيماً للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات وامتلك إرادة كسب المعارك الصغيرة والكبيرة لصالح القضية الفلسطينية، وبعد أحداث أيلول عام 1970 في الأردن حيث توهم الأعداء بنهاية الخطر الذي يتهدد وجودهم، راح ياسر عرفات يفتح آفاقاً جديدة للثورة التي لن تخبو شعلتها وقال كلمته المشهورة :" إن ثلوج جبل الشيخ أحن علينا من قلوب بعض الأنظمة العربية" .. فكان  الإنتقال الى لبنان حيث اشتد عودها وتعاظم حلفاءُها وتعاظمت جبهة المساندة عربياً ودولياً، وحتى بعد معارك الصمود في مواجهة الجيش الصهيوني قال كلمته قبل الخروج من لبنان. كنت أتمنى لو كانت بيروت مدينة فلسطينية وإنني أدافع عن  بيروت حتى لا يقال أن عاصمة عربية سقطت بدون مقاومة، كان ذلك  لصائب سلام رئيس وزراء لبنان ووفد القوى اللبنانية، وخرجت قوات الثورة الفلسطينية من لبنان حرصاً على الشعب اللبناني، قال ياسر عرفات رداً على سؤال احد الصحفيين :" أني ذاهب الى القدس" يومها اعتقد هذا الصحفي أن كلام عرفات لم يكن سوى دعابة ليس إلا، لكن الأحداث أكدت أنه وبعد عشر سنوات على ذلك التصريح أن ياسر عرفات كان يعرف طريقه وكان يعرف ما يريد، فكانت العودة للوطن وبدء العد التنازلي للدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.

إن التاريخ يسجل لياسر عرفات الكثير من الإنجازات والتي لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال، وسجل حضوراً عربياً ودولياً منقطع   النظير.

فيا سيد الشهداء هل لنا أن نسألك الأسئلة الملحة بعد هذا الغياب الذي مضى عليه عام كامل بأيامه ولياليه، ترى من قابلت ممن أحببت من الراحلين ممن صدقوا ما عاهدوا الله عليه والذين وصفتهم مراراً بأنهم نصاب لنا في الجنة هل هو أمير الشهداء أبو جهاد أم أبو اياد ام ماجد أبو شرار أم الكمالين أم النجار.

يا سيد الشهداء ياسر إنهم قائمة ما انتهت من الشهداء ما زال فيها متسع لإضافة أسماء أخرى ما زالت قابضة على الجمر تترقب موعداً يأذن به الله ألا هم المنتظرون الذي ما بدلوا تبديلا.

نحن نعي وندرك أن اللقاء كان جماعياً حضره الآلاف من شهدائنا الأكرم منا جميعاً جاءوا جميعا للقائك وأنت المعمد بمياه القدس والمزين ببرتقال وزيتون وعنب فلسطين أرض الرباط والصمود والإنتصار.

وفي قراءة لمفكرة التاريخ بعجالة، يتوهج اسمك كما الثورة التي أسست لها وفجرتها، وكما الفتح العظيمة في سماء الوطن الفلسطيني الصاعد إلى حريته واستقلاله، كنت المعلم والبشير بالانتصار لكل الشعوب المقهورة على امتداد خارطة العالم.

كانت كوفيتك عنواناً ليس لك وحدك وإنما  لكل الفلسطينيين ولكل الرجال الذين أبوا على أنفسهم الذل والخنوع، فعبروا الصعب من أجل أن تشرق شمس الحرية في فضائهم المليء بالسواد والقهر والإهانة من قبل سارقي حلاوة الضحك المزغرد في شفاه أحباب الحياة، اطفالنا وكل أطفال هذا العالم، لقد كنت يا سيد الشهداء الى جانب قوة الإرادة وتوهج الثورة وإباء الفتح صاحب المبادرة الشجاعة ورباناً للسفينة الفلسطينية وهادياً لأحرار هذا العالم، كنت تعرف أبعاد اللعبة السياسية الدولية بكل تفاصيلها، وكنت تختزل الزمن كي تصل بشعبك إلى حيث اللحظة التاريخية، لحظة الحرية والكرامة والعودة والاستقلال، كنت تكتب بفكرك ونضالك وآمالك تاريخاً مجيدا لهذه الأمة التي مضى حكامها وسلاطينها، وكل همهم أن يتآمروا  حتى على أنفسهم من أجل السلطة، كنت تعرفهم ولكنك تحاول أن تبعد شرورهم عن أقدس قضية في التاريخ تحاول لملمة الخير فيهم وتشكله في لوحة تحاول بها أن تسجل خطوة على طريق الفجر، وكم من مرة في مؤتمراتهم تحثهم على ألا يكونوا في مؤخرة السائرين من اجل كرامة أمتهم وكرامة وجودها ومصيرها.

وحين  ينفضون من حولك كأنما تصرخ في واد لكنك لم تهن ولم تقنط ولم تبتئس بل كنت الأقوى والأعظم.

كم من الابتسامات والقبلات وزعت إلى من اشتقت اللحاق بهم فاستعجلت الرحيل من أجلهم، حين قلت يوم إن اشتد عليك يريدوني شريداً او طريداً ولكني أقول شهيداً، شهيداً شهيدا .. فتحقق لك ما أردت يا سيد الشهداء.

بعد عام من رحيلك نقول أننا على عهدك ماضون ولوصايا الشهداء الذين انت سيدهم حافظون، سنظل كما علمتنا نحمل غصن الزيتون في يد والبندقية في اليد الاخرى، لا نطلب القمر أو المستحيل كما قلت ذات مرة، سنواصل المشوار مهما تكالبت علينا قوى الشر والعدوان، رحلت عنا بجسدك لكنك معنا بروحك وصبرك وجسارتك وكلمتك، تأكد أيها القائد والمعلم والإنسان أننا باقون صامدون على الثوابت التي  استشهدت من اجلها لأن فيها وجودنا وبعثنا ونهجنا القويم .

أيها الراحل العظيم ياسر، لقد زرعت فينا الأمل والكبرياء ومنحتنا قوة التحمل والصمود، ورسمت في عقولنا جغرافيا الوطن فلسطين، وقلت لنا إياكم والقنوط وهي دروس سنحفظ معناها وسنحفرها في ذاكرتنا وسنواصل المسير إلى أن يرفع شبل أو زهرة علم فلسطين فوق مآذن وكنائس القدس، ونحن كما انت نحب السلام ونكره الحرب، لكننا من اجل حريتنا سنبذل كل غال ونفيس، هذا عهدنا وقسمنا الذي لا نحيد عنه، وسنردد دوماً ما كنت تقول : ليس منا وليس فينا من يفرط بحبة من ترابك يا قدس.

ــــــــــــــ

* نائب المفوض السياسي العام