نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

أبو  عمار... الرمز والقائد العظيم

نعيم الطوباسي*

 

لم أكن أدري أن المسافة بين الموت والحياة هي أقرب بكثير من المسافة بين التحرير والحرية، ولم  أكن أدري أن رمز الحرية والتحرير الذي كان أول الرصاص وأول القرار وأول المجاهدين سيكون قريباً جداً من الموت وبشكل عاجل ومفاجىء.

كان يوم 2005/10/26  يوم التضامن العالمي مع الصحفيين الفلسطينيين / يوم الصحفي الفلسطيني، انطلقنا في تظاهرة كبيرة ضمت أكثر من مائتي صحفي فلسطيني بإتجاه مقر الرئيس ياسر عرفات، صعدت الطابق الثاني وبعد التحية والعناق الحار مع رمزنا وقائدنا العظيم أمسك بيدي بإتجاه إخوتي وزملائي من أعضاء نقابة الصحفيين الذين كانوا بانتظار رئيسهم على أحر من الجمر .. كانوا يريدون سماع صوته.

في الطريق إلى الإجتماع، توقف في إحدى القاعات ليطالع بعض التقارير، وقد مهر بخط يده وبقلمه الأحمر تحت بعض النقاط، قدّم للرئيس بعض من الفواكه في صحنين صغيرين وأخذ بعض المرافقين يتحركون حولنا ذهاباً وإياباً، همس بأذنه بأن القاعة جاهزة والصحفيين أخذوا أماكنهم، وعاد ليأخذ يدي ويغذ الخطى وهو يبتسم إبتسامة عريضة، كانت إشارة

 منه ولها معنى كبير بالنسبة لنا، إن تحيته واهتمامه تعني احتضانه للصحافة وللصحفيين، تعني حمايته للحريات، تعني لنا بأننا معززون مكرمون، ولن أنسى كلماته دائماً بأن سقفكم في الحرية هو السماء، ولا وصاية لأحد على كلماتكم النقية والملتزمة.

يقول أبو عمار دائماً اكتبوا ما تشاؤون ولكنني لا أريد صحافة مستوردة وصحفيين مستوردين، كانت الصحافة والصحفيون في عهد أبو عمار تتميز بالشموخ، تتميز بالإزدهار، تتميز بالمعنى وتتميز بالإنتماء الحقيقي، صحافة في عهد الرئيس الراحل ذات رسالة، الصحفي يشعر بأنه يعمل للوطن وللقضية، يعمل للقدس والمؤسسات ويعمل لشعبه، يعمل لأن هناك من يقدّر عمله، كان هناك قائد عظيم يتابع ويسأل ويراقب، كان صاحب القلب الكبير والهدف الكبير والرؤية الثاقبة فكان يجمع الكل في الكل، والكل في الوطن والكل من اجل القضية.

ليس هناك من يستطيع الجمع بين الجميع دون نقصان، كان سياسياً وكان صحفياً وكان مهندساً وكان أديباً وكان مهنياً، ويخطىء من يقول أن ياسر عرفات لم يكن مهنياً بل كان سياسياً وقائداً فقط، نعم لقد كان هذا ياسر عرفات الذي عاش لشعبه ومات من اجل شعبه وقضيته.

ياسر عرفات الذي لا ينام ولا يعرف طعم النوم، لما سئل يا أبا عمار لتذهب للنوم لترتاح، قال : كيف انام وأرتاح وأولادي في المخيمات وفي القرى والمدن والسجون والمهجر لا يعرفون طعم الراحة. كيف أنام وأرضنا محتلة، كيف أنام والقدس حزينة تصرخ بأعلى صوتها ــ تطلب الخلاص من المحتلين.

تذكرني إحدى المواقف للأخ القائد الراحل ومدى عشقه لفلسطين ودعمه للصحافة الوطنية / صحافة م ت ف، والصحفيين الفلسطينيين في عام 1992 عندما بدأت المسيرة السلمية، وكان هناك اجتماع ولقاء في مدريد، أوصى الأخ أبو عمار أن يكون حضور للصحفيين الفلسطينيين ليكتبوا عن المسيرة السلمية، كان العدد المطلوب ستة صحفيين، وأعلنت للصحفيين من يرغب بالذهاب إلى مدريد، تقدم أكثر من مائة صحفي للذهاب إلى مدريد، واتصلت بالأخ أبو عمار وطلبنا زيادة العدد، فجاءت الموافقة على تسعة، وعدت الاتصال وجاء الموافقة على 15، وكررت إتصالي بسيادته وشرحت له أن العشرات من الصحفيين الفلسطينيين ممنوعين من السفر وهي فرصة لأعضائنا، جاءت الموافقة على عشرين، وفي نهاية المطاف تمت الموافقة على 42 صحفياً فلسطينياً وعدت اطالب "فقال رحمه الله يا أخ نعيم عندي إقتراح ما رأيك أبعثلك سفينة لإحضار كل الصحفيين إلى مدريد" هي مداعبة ولكن فهمت ان هذا العدد كافٍ، كم كان قلبه كبيراً، وكم كان يعشق الأرض المحتلة وشعبه بصحفييه ونقاباته واتحاداته ومؤسساته.

كان يعتب كثيراً إذا تأخرنا كثيراً عن مقابلته، هذا القائد ابن الشعب وابن القضية. ياسر عرفات الأب والزعيم المحبوب، لقد أحبه حتى الذين إختلفوا معه، حتى اخواننا في الجبهات الوطنية وفي فصائل المنظمة، عندما سقطت طائرته جاءوا لنا في القدس في مقرنا مهنئين على سلامته يقولون يا اخوتنا في فتح نحن نختلف معكم في وجهات النظر أحياناً لكننا نتفق مائة بالمائة معكم على أبو  عمار مثل القضية والقدس لا خلاف عليها ولا خلاف عليه.

أبو عمار زعيم الشعب رائد الوحدة الوطنية والملهم لحركة فتح، ياسر عرفات سر نجاح حركة فتح والإسم المعشوق لفتح، ما ان تختلف فتح وقياديوها وتياراتها وأجنحتها لأنني اعتبر فتح ليست بركة ضيقة أو جزيرة مقطوعة ومحاصرة في بحر، لكن فتح هي المحيط الهادر من أقصاه إلى أقصاه.

ياسر عرفات هو عطر المسك للحركة، وعندما تدخل إلى مقره أو مكتبه، وترى الكوفية بلباسه الخالي رمز الحرية والتحرير كان الكل فوراً ينسى الخلاف ويفكر الجميع بالإتفاق ولا يحتمل الأمر دقائق حتى يرجع بال الحبايب راضي ... أبو عمار الزعيم والقائد العظيم لشعبنا الذي ضحى بروحه من أجل فلسطين وقضية العودة والقدس.

أبو عمار الذي حوصر حتى الموت لم تهتز إرادته وقراراته ولن أنسى حصاره في المقاطعة، وليلة محاولة تفجير مقره، عندما وصلتني معلومة من بعض الصحفيين الأصدقاء ومن بعض من حوله.  لقد كانت ليلة حاسمة في تاريخ الأخ القائد، وكانت ليلة حاسمة في تاريخ الصحافة والصحفيين الفلسطينيين وتاريخ شعبنا.

وقررت ليلتها بعد إتصالي بزميل لي في لبنان يعمل في وسائل الإعلام، كان إتصالاً على عجل ومستعجلاً جداً، وكانت كلماتي لصديقي وأخي العربي قلت من بيتي المحاصر بالدبابات وشارعنا الذي تجوبه دبابات الإحتلال مثل باقي الشوارع الفلسطينية يجب علينا الخروج، يجب علينا أن نوصل الرسالة في هذه الليلة، جريمة كبيرة وعار علينا أن يقتل أبو عمار بيننا ونحن لا نحرك ساكناً، سلاح الإعلام مهم جداً وعلينا إستخدامه الآن وبالطريقة التي يجب إستخدامها.

كانت كلماتي لأخي العربي في لبنان، ساعدني يا أخي الساعات والدقائق القادمة خطيرة جداً على حياة رئيسنا وقائدنا أبو عمار، إنها هزيمة لشعبنا ولعروبتنا ولكل المسلمين أينما كانوا، كيف سيقتلونه ونحن الصحفيين لا نستطيع عمل شيء لقائدنا الصامد الصابر، المتحدي الحصار والظلم والطغيان والذي أعلن منذ حصاره في اليوم الأول إما قتيلاً أو شهيداً شهيداً.

صديقي وأخي العزيز هذا الصحفي اللبناني وزميلتي الأخرى اللبنانية، لأن لبنان كان دائماً مع الثورة وكان معنا ومع القضية حتى في آخر لحظة، وقبل لحظة من تفجير مقر قائدنا، هذه لبنان وهذا شعب لبنان، فتحيةٌ لصحفيي لبنان والصحفيين العرب المنتمين لقضاياهم العادلة.

وتحية للبنان وشعب لبنان وأهلنا في مخيمات الصمود ومخيمات لبنان والشتات أينما كانوا والذين كان قائدهم وزعيمهم أبو عمار يحلم بهم وبالعودة معهم إلى فلسطين.

فقال يا أخ نعيم ماذا تريد؟ قلت أريد أن تتصل من عندك بمقر الجزيرة في قطر وتخبرهم أن الأمر خطير وخطير جداً فإما أن نكون مع شعبنا ومع رمزنا ومع ضميرنا ومع التاريخ أو أن نكون خارج التاريخ وبعدها علينا اللعنة، قال لي أبشر فوراً فوراً.

وبعد لحظات دق جرس الهاتف من قطر من محطة الجزيرة، اخ نعيم نحن معك من الجزيرة بعد لحظات ستكون على الهواء مباشرة، ونحن جاهزون لما تريد، كانت الكلمات رسالة لشعبنا بأعلى أصواتنا لنفشل قرار الإحتلال، وليخرج شعبنا عن بكرة أبيه إلى الشوارع، وتنسحب دبابات ومجنزات الاحتلال الإسرائيلي، لقد طالبنا شعبنا بسرعة التحرك لأن قائدنا العظيم بحاجة لكم هذه الليلة.

ليلة يريدون قتل الرئيس، وتفجير مقره على من فيه، كانت الجماهير تزحف وتتدفق مثل السيول الجارفة وبركان الجماهير في تلك الليلة، وصوت الصحافة والإعلام ساهم مساهمة مباشرة في إفشال الخطة الإسرائيلية، ولا ننكر الدور الكبير لأولئك القادة المحاصرين حول الرئيس الراحل أمثال الأخ هاني الحسن وغيره ممن خاطبوا شعبنا عبر الهواتف لنصرة القائد.

وفشلت خطة إغتيال الرئيس وقتله .. وبعد لحظات تقريباً من ندائي عبر الجزيرة مباشرة دق جرس الهاتف، وكان أخي أبو طارق / هاني الحسن عضو اللجنة المركزية من جانب الرئيس في مقره المحاصر ليقول لي أخي نعيم تفضل الأخ أبو عمار معك .. مرحباً يا نعيم .. يا أخي أنا متأكد بأن شعبنا هو أكبر من الحصار، بلغ شعبنا أننا سننتصر، الله يوفقكم يا أخي ... والنصر لنا.

اخي أبو عمار شعبنا معك وأمتنا معك والله معك، سينهزم الأعداء وتنتصر يا قائدنا العظيم، ونزلت وعائلتني وأولادي وأصدقائي عبر الشوراع لنشارك شعبنا هجومه المعاكس في فك الحصار عن الرئيس وإفشال خطة قتله.

ياسر عرفات رحل عنا بجسمه، لكنه باق فينا في داخلنا، في بيوتنا، في ذاكرتنا لأجيالنا، هو نبي الثورة ونبي المحبة والأخوة والوحدة الوطنية ويا رجال أبو عمار كونوا على العهد مع القضية ومع القدس والوحدة الوطنية.

ونقول إن اليوم الأسود والليلة السوداء ليلة غياب قائدنا العظيم لن تزيدنا إلا تمسكاً بنهجه وقيمه وأهدافه.

وعهداً أننا لن ننسى قائدنا العظيم ما حيينا، وستبقى ذكراه ووصاياه الشعلة التي نضيئها بإتجاه فلسطين، بإتجاه القدس، بإتجاه الدولة والسلام.

ــــــــــــــ

  *  نقيب الصحفيين