نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

أبو عمار كلمتنا الأولى والأخيرة

د. سمير شحادة

 

عندما يتحول الحلم إلى حقيقة، وتكبر ملامح الأشياء لتجسد واقعاً مرئياً امام المعنيين الباحثين دوماً عن سر القوة والإنتماء للثورة والوطن، تبدو الأمور أكثر وضوحاً، وأكثر قرباً من النفس، وتزهر في النفس ألف زهرة، تنشد مع المنشدين أغنيات خطها الحادي وهو يسير في طرقات القدس ورام الله ... وباقي أرجاء فلسطين.

هذا الحلم الحقيقة بدأ يظهر والسيارة تقترب بنا من مطار تونس إلى حيث يعيش ويعمل ياسر عرفات، كانت زيارتي الأولى إلى تونس البلد العربي الجميل، وكان لقائي الأول بالقائد الرمز الذي انتظرته بعد وقت طويل، فقد كنت ممنوعاً من السفر حتى سمح لي بذلك بعد مدريد، خلال الطريق سيطر عليّ وهم اللقاء وهيبته، انا أعرف هذا الرجل تماماً، شكلاً ومضموناً، من خلال ملامحه رسمنا صورة للوطن في قلوبنا، ومن خلال كوفيته، عرفنا أن لإصرار الثائر خارطة تأخذه إلى شطآن اللازورد تدفعه باتزان المثابر نحو المجد، والدولة والحرية.

لم التقه في حياتي، غير أني كنت أراه، واسمعه، وامتثل له بصفته قائداً، بيده البوصلة التي يوجهها دائماً نحو القدس.

وصلنا المكان، لا يبدو عليه شيء من التميّز، ربما لا فرق بين هذا المبنى وغيره من المباني المجاورة إلا بما يحويه، من داخله تسيّر الأمور الفلسطينية، السياسية والإجتماعية، والثقافية والإقتصادية، ومن داخله تحل المشاكل العامة وحتى الفردية، من أعقد الأمور إلى أبسطها وأكثرها سهولة، فهو أبو عمار، الذي يحمل في صدره وفي قلبه هَم الوطن وأبنائه، دخلنا عليه غرفته، وكنا بصحبة الأخ جبريل الرجوب وكان مستغرقاً في قراءة بعض الأوراق التي أمامه، قرأنا عليه السلام، التفت بابتسامة ظاهرة قائلاً، أهلاً، وصلتوا؟ وقف، مُّرحباً ومسلماً بحرارة وود ظاهرين، بادره جبريل هذا .. لم يكمل، قاطعه الرئيس، أنت يا جبريل اطلع منها، أنا عارفهم قبلك .. أشعرنا منذ البداية بدفء العلاقة، وضعنا في قلبه، هذا هو شعوره، ليس تجاهنا فقط، انه الشعور بالحب لكل أبناء الوطن.

بدأ حديثاً طويلاً عن 1967، ودخوله ارض الوطن ولقاءاته مع إخواننا أبناء فتح، وأسهب في سرد مسيرة الثورة في الكرامة، وأيلول، والأحراش ولبنان، وعدّل من وضع كوفيته، وقال : لما سألوني على السفينة، على فين يا أبو عمار: قلت القدس: نعم يا إخواتي القدس أولاً وأخيراً ، إن شاء الله سنلتقي هنالك في الأقصى والقيامة وفي كل فلسطين.

ببساطة شديدة لم تأخذني المعلومات التي سردها علينا، فهي معلومات سمعناها وقرأناها، وتغنينا بها، لأنها المواقف الرجولية والوطنية لياسر عرفات، لقد أخذت بمنطق الرجل، وجاذبيته، وقدرته على احتواء من يحاوره أو يتحدث معه .. كنت أثناء حديثه انظر على تعبيرات وجهه، وتغيرات نبراته، واسرح، يا لهذا الرجل، كيف يستطيع أن يعمل كل هذا العمل، يصل الليل بالنهار ويكون في كل المواقع والجهات، في وقت واحد ويستطيع ان يحقق ما يريد.

مكثنا بضيافة الرئيس ثمانية أيام، كان حريصاً على أن نلتقي به يومياً يحدثنا ونحدثه، ويعيد سرد كثير من القصص، وكأنه يتلو علينا وصية يلح علينا فيها.

سافرنا عائدين إلى الوطن، ولم يطل الوقت حتى كانت أوسلو، وغزة وأريحا أولاً، وجاء أبو عمار لنعرف عن قرب سر أسرار تعلق هذا الرجل بالوطن من خلال جملة قالها وهو محاصر من قبل جنود الإحتلال ،" يريدوني إما طريداً وإما أسيرا وانا أقول لهم شهيداً شهيداً شهيداً.

وقد كان كذلك، وسيبقى أبو عمار في نفوسنا، أغنيتنا، وكلمتنا الأولى والأخيرة...