نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

 

تـــرجمة أم خيــــــــانة؟

علــــى الطريقة الإسرائيليــــة

 

محمد العوفي

صحيفة اللومند الدبلوماسي

سبتمبر 2005

ترجمة: هالة الشريف

 

تتناغم إدانة كل من ادغار مورين، وسامي نيير ودانييل ساليناف بتهمة اللاسامية ـ من قبل محكمة فرنسية ـ مع الحملة التي تنظمها بعض المراكز لإسكات أي انتقاد تجاه السياسة الإسرائيلية ومن بين تلك مؤسسة MEMRI التي تقدم للغرب ذلك الاتجاه المكون من الفئة الرئيسية من الصحفيين في الإعلام العربي و المسلم كأصوليين ومناوئين للغرب ولا ساميين.

أسس العقيد ايغال كارمون وهو احد الأعضاء القدامى في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية معهد MEMRI  وهو 2983666  معهد الشرق الأوسط لأبحاث الإعلام،  وهو مركز للترجمة يهتم بالإعلام العربي والايراني بشكل خاص ونقله إلى اللغات الاوروبية، ويشير موقعه على شبكة الانترنت إلى  أنه لا يخلق جسرا بين الغرب والشرق الأوسط عبر توفير وايصال ترجمات عن الاعلام العربي باللغات العبرية والفارسية على شكل تحليلات سياسية للتيارات والميول السياسية، والايديولوجية، والفكرية، والاجتماعية والثقافية والدينية في  المنطقة.

وإنما يتمثل هدفه في تقديم معلومات إخبارية للنقاش حول السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط . والمعهد عبارة  عن هيئة يفترض ان تكون غير مؤيدة لجهة ما، وأهدافها غير ربحية ولديها مكاتب في برلين ولندن والقدس.

"ويوفر المعهد ترجمات إلى اللغات الانجليزية والالمانية والاسبانية والفرنسية والعبرية والايطالية والروسية والتركية".

بالاضافة إلى ذلك يقوم بمراقبة محطات التلفزيون الرئيسية العربية والايرانية، واعداد ترجمات فورية  مختصرة وتوزيعها بشكل انتقائي وارسالها بشكل مجاني إلى المحطات الغربية.

تعتمد العملية على اختيار المعهد نصوصاً ومقاطع يعتبرها مهمة لخدمة مصالحه، فهو يميل إلى تقديم تيارات فكرية تعتبرها الصحافة والإعلام العربي اتجاه أقلية، وعند ذلك يشعر القارىء غير العربي والذي يكتفي بالاطلاع على تلك الترجمات بان تلك المجموعات المتطرفة والمناهضة للغرب واللاسامية ولامريكا تسيطر على هذه الساحة، ويحارب بعض الصحافيين الشجعان تلك التيارات ويصفهم معهد MEMRI  " بأنهم تحرريون أو تقدميون".

ولتلك الأسباب يعرف العديد من الكتاب العرب والاوروبيين أحيانا المعهد على أنه سلاح دعاية لخدمة حكومة تل ابيب، وحزب الليكود ومجموعات الضغط، صحيح ان ثلاثة من الفريق الذي يعده اشخاص المعهد هم أعضاء سابقون في اجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، لكن ومنذ نشأته نجح في العديد من العمليات.

فهو الذي أطلق سنة 2001 حملة يزعم فيها أن المناهج التعليمية الفلسطينية تشجع اللاسامية وتحرض عليها وهي حملة لا أساس لها وغير مبررة  على الإطلاق .

كما  نجح المعهد سنة 2004 وبمساعدة موقع الشرق الأوسط للإعلام (الذي أوقف نشاطه مؤقتا) في استغلال "انزلاقات" قناة المنار (حزب الله) اللبنانية لمنعها من البث في فرنسا، واحتجت على ذلك جمعية صحفيين بلا حدود كما ساهم بنشاط في الحملة التي أدت إلى اغلاق مركز الشيخ زايد في دولة الامارات .

يخدم مركز MEMRI  بشكل واسع الاستراتيجية الإسرائيلية من خلال "توريط" وتصعيد توتر العلاقات العربية الغربية .

وخلال مشاركته في برنامج  لقناة الجزيرة حمل الكولونيل كارمون على الذين يتهمونه ووصف المعهد بأنه يواصل ويعمل على هدف علمي : وهو وضع الغرب في صورة تناول الإعلام العربي للأحداث الجارية في الشرق الأوسط.

لا يجب قبول ذلك التصريح دون تحفظات : إذا كان النزاع الاسرائيلي العربي يدول حول السيطرة على أرض فلسطين، فهو لا ينفصل عن المقاومة التي يقودها للتأثير على الرأي العام، وجعل قراءته للأحداث مشروعة.

إن علاقات القوى لا تنصاع الا جزئيا للمنطق المحلي، واتضح ان الدعم الخارجي هو الحاسم، أيضا بالنسبة للطرف الاسرائيلي بالاضافة إلى الصورة الخارجية لاسرائيل فقد تأثرت كثيراً من الحرب اللبنانية والانتفاضة الأولى (1993 ــ 1987) وفي سعيه تبييض جزء من الصورة لا يتردد المعهد في الاساءة إلى العرب والمسلمين، وعرضهم أمام الغرب بأنهم متطرفون وكارهون وحاقدون ومن جهة أخرى، تطورت الآراء العامة في الدول العربية مع قدوم القنوات العربية الفضائية وفقد قادة الشرق الأوسط سيطرتهم على وسائل الإعلام.

هذا التغيير ما دفع بالسلطات الإسرائيلية إلى الاهتمام بالاعلام العربي ومضمونه بشكل مباشر وذلك يفسر انشاء معهد MEMRI   بعد مرور سنة ونصف على بث قناة الجزيرة.

رسائــــل تهديــــــد

يمتلك الكولونيل كارمون مرساة متينة في اسرائيل بصفته ناطقاً باللغة العربية فقد كان مستشاراً في مجال محاربة الإرهاب لكل من اسحق شامير واسحق رابين، بالاضافة إلى ذلك يتلقى دعما كبيرا من واشنطن، وهو شريك مع السيدة مايراف الموظفة السابقة في معهد MEMRI  والمسؤولة عن دائرة الشرق الأوسط في معهد هودسون، ذات التوجه القريب من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة.

يمول معهد MEMRI  العديد من المانحين، من بينهم مؤسسة تعد من أبرز مؤسسات اليمين  الأمريكي.

ووضع المعهد اليد على الليبراليين العرب، بأن شكل فئة غريبة "من الصحفيين العرب الليبراليين والتقدميين" ولكي يصبح المرء من هذه الفئة يجب أن يعلن أنه ضد أي نوع من أنواع المقاومة المسلحة في العالم العربي بشكل عام، وفي فلسطين والعراق بشكل خاص، مع ادانة حماس وحزب الله وانتقاد ياسر عرفات والدفاع عن "الواقعية" أي القبول بمنطق علاقات القوى بمعنى السيطرة الأجنبية وعدم معارضة المشاريع الأمريكية في الشرق الأوسط، وتشجيع العرب على النقد الذاتي والعدول عن "عقلية  المؤامرة".

يجب على المرشح لهذا التصنيف اظهار عدائية غير قابلة للنقاش للقومية العربية والاسلام السياسي، وحتى ازدرائه للثقافة العربية كما يجب أن يستهدف انتقاده كل المتطرفين الاسلاميين وبشكل عام كل المجتمعات المتأخرة بالنسبة لقادتها المتنورين العرب، كما يجب على هذا النوع من الصحفيين والكتاب الاشادة والمطالبة بالحريات الشخصية، دون التأكيد على الحريات السياسية وأكثر من ذلك السيادة الوطنية.

وعندما يتناول ذلك الصنف من الصحفيين الليبراليين الإصلاح السياسي فيجب عليه ان يستهدف بشكل خاص الأنظمة الجمهورية منها عراق ما قبل الاحتلال الأمريكي  وسوريا ومصر وبالمقابل لا يسمح بالتطرق إلى الإصلاح السياسي في السعودية.

والأمر غير مفاجىء حيث أن اغلبية الخبراء "العزيزين" على قلب المعهد يعبرون عن آرائهم بشكل

رئيسي في وسائل الإعلام التي تمولها العديد من الجهات يقف على رأسها  من أهمها أمراء ورجال

اعمال سعوديون.

ويحدث أحياناً مهاجمة المعهد بسبب نوعية ــ واحيانا مصداقية ـ ترجماته، حيث قام مثلا بترجمة مقتطفات من برنامج أكثر من رأي لقناة الجزيرة غداة اعتداءات 7 ـ 7 ـ 2005 في لندن.

وكان قد شارك في هذا البرنامج السيد هاني السباعي، أحد الشخصيات الاسلامية المستقرة في لندن، وكان هذا الاخير قد صرح في النقطة المتعلقة بضحايا الاعتداء قائلاً : " لا وجود لعبارة" مدنيين في الفقه الإسلامي"

هناك الدكتور الكرمي (وهو ضيف آخر على البرنامج المذكور) يحمل نفس رأي المعهد ولديه خبرة في الفقه الإسلامي، ويرى أن هنالك فئات من "المقاتلين" وغير المقاتلين، يقف الاسلام ضد تصفية المدنيين، فحسب الاسلام لا يجبب قتل الأبرياء".

وهنا تأتي ترجمة المعهد قائلة : لا وجود لمصطلح مدني في الشريعة الاسلامية، والدكتور كرمي يجلس هنا معنا على دراية بالشريعة . لا وجود "لمدني" بالمعنى الغربي الحديث فالناس إما انهم من دار الحرب أو ليسوا من "دار الحرب".

وتجدر الملاحظة هنا بأن مقدمة هذا التعريف التي عارضتها "دار الحرب"(1)لتي لم يستخدمها المتدخل في البرنامج.

وفي خضم المعركة ضد الارهاب في بريطانيا يستقرأ من هذا الاضافة بأن كل شيء مسموح في دار الحرب، بالمقابل حذف معهد MEMRI  من محتوى ترجمته تنديد ضيف برنامج الجزيرة السيد سباعي بقتل ابرياء ...

وفي السياق ذاته دفع البروفسور حليم بركات من جامعة جورج تاون فواتير تلك الأساليب الخاصة بمعهد MEMRI  فعند كتابة مقالة تحت عنوان "ذلك الوحش الذي صنعه الصهيونية : التدمير الذاتي" في صحيفة الحياة اللندنية أعاد المعهد المذكور صياغة العنوان بما يحرص على الكراهية :" لقد فقد اليهود انسانيتهم" ويواصل البروفسور قائلا : انه عنوان ملفق، وانا لم اقل ذلك حيث كانوا يستبدلون ـ في كل مرة ـ عبارة صهيونية "باليهود" أو "اليهودية" بهذا الاسلوب يريد المعهد ان يظهرني ليس كمنتقد للسياسة الإسرائيلية وإنما معاد للسامية".

وفور ظهور تلك الترجمة على الموقع الالكتروني للمعهد وصلتني رسائل تهديد إلى الحد بأن لا يجب أن احاضر في الجامعات الأمريكية " ــ  علما بأني حاضرت ولمدة 30 سنة في العديد من الجامعات ـ وانه ليس من حقي أن أكون بروفسورا،ولا يجب ان اغادر الولايات المتحدة(2)

وفي حزيران من عام 2004 قا م معهد MEMRI  بإطلاق حملة ضد زيارة الشيخ القرضاوي للندن، وللتأكد من ذلك طلب رئيس بلدية لندن اجراء دراسة (3) ليطمئن قلبه "واستنتج بعد الإطلاع عليها أن هجوما من هذا النوع إنما يصنف تحت بند "وضوح حملة مناهضة (التخوف المفرط من الاسلام) للاسلام تهدف إلى منع الحوار بين آراء المسلمين التقدميين والغرب".

وتوضح الدراسة بأن للقرضاوي "140 كتابا، وكانت النتائج صاعقة حيث اكتشف بأن كل الاكاذيب التي كانت تحرف ما كتبه صادرة عن مؤسسة MEMRI   التي تدعى بأنها معهد ابحاث موضوعي" واستنتج رئيس بلدية لندن قائلا : لقد اكتشفنا بأن الذي يدير المعهد هو ضابط سابق للاستخبارات الإسرائيلية، وهو يحرف الأحداث بشكل دائم وآني، وليس فقط ما يقوله القرضاوي وإنما تصريحات العديد من الشخصيات والعلماء المسلمين، وفي اغلب الأحيان يكون التحريف شاملاً لهذا السبب نشرت هذا الملف (4)

كما ان بالامكان  وضع جدية المعهد في خانة الشك، بسبب العديد من اخطائه، فمثلا وحسب خبرائه اعتبر عبد الكريم أبو النصر حاملا  الجنسية السعودية فقط لانه صحفي في جريدة (5) سعودية واتضح أنه صحفي لبناني مشهور، خاصة عند كتابته وفي تحليل مطول حول المملكة السعودية موضحا بأن ولي العهد عبد الله بن عبد العزيز (الذي اصبح ملكا) ينحدر من فرع السديري للعائلة المالكة مما أثار دهشة العارفين بشؤون المملكة (6)

وتعتمد كفاءة هذا المعهد على التعاون الكبير بين انشطته والذين يقودون حملات المناهضة فقوائم الصحفيين العرب الذي يستأجر خدامتهم أو يثني عليهم تشكل نظاما للمكافأة والعقاب، فالصحفيون الليبراليون العرب يخدعون انفسهم بانهم مدعون إلى مراكز أبحاث صديقة في الولايات المتحدة : حيث يتم تسهيل الحصول على  الفيزا والظهور في وسائل الإعلام الأمريكية وبناء علاقة مع السلطات الأمريكية.

اما العقاب فهو ضد الذين يصفهم معهد MEMRI  "بالمحرضين على الكراهية" ومن الممكن ان يزيد العقوبات منذ ان اشار الصحفي المشهور توماس فريدمان في صحيفة النيويورك تايمز إلى التقرير الذي قدمه المعهد حوله وحول مؤسسة : واوصى (فريدمان) وزارة الخارجية الأمريكية بضرورة نشر تقرير فصلي بأسماء عشر شخصيات تحث على الكراهية والذين يبررون (الارهاب) أو يجدون له اعذارا.

مهما كان رأي توماس فريدمان يبقى أن نبرهن بأن الاعضاء القدامى أو الحاليين للاستخبارات الإسرائيلية هم افضل المهندسين "للجسر" الذي يجب (اعادة) بنائه بين العالم العربي والغرب.

 

1)اعتبر الاسلام منقسما بين دار الاسلام ودار الحرب التي يعتبر الموالين لم يدخلوا الاسلام.

2)برنامج الجزيرة : من واشنطن.

 

3)موقع WWW.London.gov.wk/news

4) الجزيرة 2005.1.20 Archive

5) صحيفة الوطن (السعودية) 13.12.2004

6) نشر المعهد في 12.3.2002   بأن فرع السديري ينحدر منه الملك الراحل فهد، الامير سلطان، الأمير نايف .... وهم من المعارضين للملك الحالي عبد الله.