نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

اللعبة الامريكية : من الإنفتاح الى التشدد

الملف النووي الايراني

السباق مع الزمن

 

تيريز دلباش

اللوموند/ اغسطس

ترجمة هالة الشريف

 

تُقدم ايران منذ سنة 1979 على أنها كابوس بالنسبة للولايات المتحدة : حيث فقد الرئيس جيمس كارتر فرصة الحصول على فترة رئاسية ثانية بسبب قضية الرهائن، وعدائية السلطات الايرانية إن لم يكن أيضاً الشعب الايراني لأمريكا التي لم تنكر ذلك أبدا (لم تتناقض مع نفسها)،  لكن تعتبر هذه الرؤية مبالغ فيها، لأن لواشنطن انشغالات أخطر من هذه القضية الإيرانية، ابتداء وفي الشرق الأدنى تحديدا. صحيح أنه ربما ستسمم قضية ايرانية جديدة نهاية فترة بوش وتؤثر عليها سلبا خاصة بعد الانتخابات التي جرت مؤخرا في ايران.

فاحتمال قيام محمد أحمد نجادي بإختطاف دبلوماسيين أمريكيين ليس مثار جدال ـ وما من شك بأنه كان واحداً من "المتشددين "، لكن الاستخبارات الأمريكية لم تشتبه في التصريحات المبكرة للذين ادعوا أنهم "تعرفوا"  عليه بل التأكيد عليه ـ تصلب النظام، ودعم سلطة حراس الثورة وفشل الاصلاحيين بما في ذلك رفسنجاني، الذين كانوا أبعد ما يكونون انتماءً  إلى المعسكر ذاته الذين كانوا محسوبين

على الانفتاح.

منذ عقود ونحن نسيء فهم  الوضع الايراني، واعتبار رغباتنا حقائق، فهناك احتمال بأن يقوم الرئيس الايراني الجديد بفتح ثغرة بين واشنطن وموسكو، أو بين واشنطن والأوروبيين وربما  بين الاوروبيين أنفسهم.

قامت الصحافة اليابانية بتناول موضوع التعاون الايراني مع خصم آخر معلن للولايات المتحدة وهو: كوريا الشمالية، حيث كشفت العديد من الأمور.

وتعلق الأمر أولا بوجود خبراء ايرانيين في كوريا الشمالية سنة 2004 لاجراء تجارب تفجيرية (تتعلق بالبرنامج النووي).

وفي شهر تموز من عام 2005 دعا الايرانيون بدورهم الخبراء الكوريين لالقاء محاضرات علمية وتقنية في مجالات حساسة على باحثين وطلبة تم اختيارهم بدقة شديدة.

كما قام هؤلاء الخبراء بزيارة موقع سري ـ هو في الواقع عبارة عن قاعدة عسكرية يطلق عليها "غادير" ، تستخدم لتخصيب اليورانيوم، (وسواء صح ذلك أو لم يصح) فان العلاقات بين البلدين على ما يبدو قد تطورت بشكل كبير خلال السنة الماضية، حتى أن عدد الكوريين الشماليين آخذ في الارتفاع في ايران، ويشكل ذلك عنصر اهتمام اضافي لواشنطن، ليس فقط بسبب ما يمكن أن يستفيد منه الجانبان من حيث نقل الخبرات والمعلومات، بل ولأن التنسيق الدبلوماسي بين العاصمتين وارد أكثر مع قدوم الرئيس الايراني الجديد، وبإمكانه ـ وبشكل كبير ـ تعقيد  الوضع الذي قد تواجهه الولايات المتحدة في الاشهر القادمة.

وهنا ليس بإمكان الولايات المتحدة أن تدير أزمتين في وقت واحد دون خوف وقلق، خاصة أن التزام الجيش الأمريكي في العراق محكوم عليه  بالاستمرار.

أخيرا ليس بإمكان واشنطن أن تتجاهل ـ لفترة أطول ـ الدور الذي يمكن لإيران أن تلعبه في اطار الأزمة مع الصين فيما يتعلق بتايوان.

فللصين ـ  حاجة متصاعدة لمصادر الطاقة، ولهذا السبب تهتم بإيران قليلاً قليلا منذ سنوات.

وبات معروفاً أن الصين تلعب دور المزود النووي (تجهيزات ـ مواد ـ مهارات) لايران، فهي لم تقصر يوما اتجاه طهران، وتشكل دعما أكثر متانة من الدعم الروسي، ومصلحة بكين ـ مثلها مثل كوريا الشمالية ـ هي تجنب الأزمة وبالتالي استمرار المفاوضات، حتى لو لم تصل إلى أية نتيجة .

اللعبة الروسية : طائر ذو رأسين

 تلعب روسيا هنا أكثر الأدوار تعقيدا والتباسا في القضية الايرانية، فمن جهة وقف التعاون الروسي الإيراني الذي كان في تصاعد مستمر مع أن من المفترض أن تكون العلاقات الاوروبية الروسية مرضية،  حيث يتم بشكل منتظم وضع روسيا في صورة المفاوضات التي تقودها لندن، باريس وبرلين، اللواتي لعبن دورهن بجدية في العديد من المناسبات، مثل الاتفاقية التي وقعت حول موقع بوشير، ثم تلك المتعلقة بوقود المفاعل النووي، كما أن روسيا لم تعارض الطموحات الاوروبية فقط، وإنما أشارت إلى عدم جدوى الدورة الضعيفة للوقود في ايران.

بالاضافة إلى ذلك قدمت الشخصيات الروسية المطلعة على الملف ضمانات للأوروبيين عشية جلسات المفاوضات (النهائية) إلا أن الأمر ليس بتلك السهولة، فللوفد الروسي تعليمات (كما اشرنا إلى ذلك سابقا) واضحة  بعدم قبول أي توصية انتقادية اتجاه ايران في اعلان القوى النووية الخمس (خلال مؤتمر الإختبار TNP)، حتى أنه لهذا السببب لم يتم تبني الاعلان، وحتى إن كانت معارضة الدقيقة الأخيرة للروس تتعلق بعناصر الخطاب الذي سبق اعتماده منذ اسابيع، ويتعلق بموضوع آخر هو CTBT.

وهناك مثال آخر على هذا التناقض وهو لهجة حماس (حيث من الصعب ايجاد عبارة أخرى) بوتين في تقديم التهاني للرئيس الايراني الجديد.

ومن غير الممكن تجاهل تلك الرسالة لأنها الأولى من نوعها التي تقدم للرئاسة الايرانية.

بالاضافة إلى ذلك ارسل بوتين رسالة أخرى بتاريخ 25.6.2005 تحتوي على قائمة بكل أنواع التعاون الممكن بين الروس والايرانيين بما في ذلك مجالات البترول، والغاز، والطيران المدني.

صحيح أن موسكو تستفيد من الاستراتيجية الاوروبية التي تمكنها من السيطرة على سوق  محركات المفاعل واعادة المعالجة في ايران، وصحيح انه ليس لروسيا أيضا رغبة ـ مثلها مثل اوروبا ـ في وجود قوة نووية على أبوابها، لكن السلطة في روسيا لم تنس الدور الذي لعبته ايران في الشيشان والقوقاز والذي اعتبرته ايجابياً جدا ، ويستدعي ذلك تقديم مكافأة حيث تم تعيين ايران عضوا مراقبا في منظمة تعاون  شانغهاي حول آسيا الوسطى.

بالإضافة إلى  أن العقوبات التي ستفرض على ايران سوف تضع حدا لمصالحها التجارية وتؤثر على الموقف الايراني "الإيجابي" في القوقاز، وسوف يوضح موقف روسيا في مجلس الأمن البعد الحقيقي لدعمها لإيران.

وفي انتظار الامتحان الحقيقي، تجب الملاحظة بأنه لدى موسكو على الارجح سياسة أقل وضوحا مما يستدعي أن يصدقها الاوروبيون، يشهد على ذلك الموقف الاوروبي في مجلس الحكام الذي عقد في 9.8.2005.

قبل وقوع أزمة شهر آب يمكن ويحق التساؤل حول نوع الاتفاق الممكن ابرامه مع ايران وكان من المفترض أن يشتمل الملف الاوروبي على ثلاث قضايا  هي "الضمانات الموضوعيه" لبرنامج نووي سلمي، "التعاون التجاري"، "والمسائل الأمنية".

وبالنسبة للقضية الأولى "الضمانات الموضوعية" مهما كانت الصياغات التي تمسك بها الأوروبيون، فان صلب القضية كان واضحا، وهو أن الحل لتوفير الضمانات المطلوبة، هو الايقاف النهائي للنشاطات التي تم تعليقها مؤقتاً، لكن الأمر كان غير مقبولٍ من قبل الحكومة الإيرانية السابقة ـ وهو أكثر تشدداً ـ من قبل الحالية (اذا كان ذلك ممكنا).

وحــول القضية الثانية أي "التعاون التجاري" فإن تطبيق الأمر  الأمريكي الذي تم تبنيه فـي 2005ـ 6ـ 29 يحد بشكل كبير من امكانيات المفاوضين.

أما القضية الثالثة والأخيرة القضية الأمنية: أي "حوار سياسي" لا يمكن التطلع اليه مع شخصية بهذا القدر من الايديولوجية بالاضافة إلى أنه لم يغير موقفه السياسي منذ بداياته الثورية، واكتشاف تورطه في مقتل ثلاثة أكراد سنة 1989 في فيينا؟

إن الهواية هنا ليست بالخيار الممكن في الوقت الذي تتجه ايران للانتقال الى مرحلة جديدة لبرنامجها النووي بإنتاج كمية كافية من مادة اليورانيوم "هيكسافلورود" لتغذية مجموعة الطاردات التي لديها، والحصول على اليورانيوم المخصب.

لقد كان السيد Goldschmidt محقا جدا : حين قال بأن "السباق مع الزمن" قد بدأ ، وذلك يعني أن الجرس قد دق بالنسبة لكل الذين يتحملون مسؤولية سياسية في هذا الملف.

ومن المفترض ان تكون الوسيلة الافضل لتركيز الأذهان هي الوصول إلى الإستنتاجات التي تفرض نفسها بعد مرور ثلاثة سنوات من الأكاذيب، والكتمان، وخرق الاتفاقات التي وقعتها ايران.

لكن من لديه فعلا النية في اظهار وإثبات حس المسؤولية في هذه القضية؟