نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

نحو تسوية نهائية للقدس

اعادة تعريف أكثر من كونها تقسيماً

 

شاؤول ارئيلي

حزيران 2005

مركز جافي-جامعة تل أبيب

ترجمة نصير أبو حجلة

 

التسع والتسعون ورقة والمقترحات التي جرى طرحها على مدار القرن العشرين فيما يخص مستقبل القدس تشهد كلها على أهيمة المدينة لليهودية والمسيحية والاسلام، كما تشهد على معركة المصالح التي لا تتوقف بين الممثلين الدبلوماسيين والسياسيين لهذه الأديان الثلاثة.

كل مقترحٍ يأخذ في اعتباره ميزان القوة المحلي والدولي فيما يتعلق بحدود المدينة، كما يحاول ان يؤكد على حرية العبادة، والادارة الذاتية للأماكن المقدسة.

والقضية الأساسية في النضال من أجل السيطرة السياسية على القدس كانت ولا تزال هي "جبل المعبد".

اذ يعتبر المتطرفون من الأديان الثلاثة أن أي ترتيبات قائمة حالياً لا تعدو أن تكون مؤقتة الى ان تنضج الظروف من أجل تحقيق الهدف الروحي الخاص بهم.

وعلى امتداد العقود الأخيرة فان المشاعر الدينية التي ظلت واضحة داخل المدينة قد تفاقمت بفعل المشاعر الوطنية في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والذي كان يشتد بين الطرفين المشار اليهما وحتى من قبل جماعات أخرى في العالم الاسلامي والمسيحي.

فبالاضافة للادعاء بملكية الأماكن المقدسة فان قسماً كبيراً من الجمهور الاسرائيلي يعتبر القدس بحدودها الحالية وحدة واحدة، ويعارض تقسيمها، وقد تشكل هذا الوضع داخل الخطاب الاسطوري (الديني) الذي اسبغ على هذه الحدود كنتيحة للتشريع القانوني.

القدس: "عاصمة اسرائيل عام 1980 " وفي مواجهة هذا التشبث الاسرائيلي بفكرة القدس الموحدة تقف بالمرصاد الادعاءات الوطنية والدينية الفلسطينية بملكية المدينة، فهل دولة اسرائيل والأمة اليهودية مجبرتان على تقسيم القدس والتخلى عن مقدساتها من أجل تجاوز عقبات ملموسة في طريق إنهاء الصراع مع الفلسطينيين؟ أم ان هناك حلاً لمشكلة حدود القدس يكمن في " تعيين هذه الحدود"؟.

في الواقع أن ظروف المنطقة التي تولدت عن ظهور العملية الدبلوماسية بين اسرائيل والعالم العربي ربما تسمح بقيام حل دبلوماسي في القدس بين الفلسطينيين ودولة اسرائيل قائم على مبدأ "الأمر الواقع" في الأماكن المقدسة.

ومن أجل تصور حل عملي لكلا الجانبين فان هذا المقال سوف يُعِّرف بحدود القدس على مرحلتين:

 المرحلة الأولى تقدم نموذجاً لادارة مؤقتة "لقدس موحدة" توفر للاسرائيليين حاجاتهم الأمينة، وللفلسطينيين نمط حياتهم في القدس الشرقية وفي الضفة الغربية، كما تُهيئ الفرصة للطرفين لاستئناف المفاوضات، وهو ما يمثل حلاً مرحلياً الى ان يتم التوصل لاتفاقية دائمة بشأن القدس.

وعند التسوية النهائية وبسبب التشابك بين الأهمية الدينية والتحكم  الاداري في معظم المواقع فان حلاً "مناطقياً" يجب ان يقوم قدر المستطاع على أقلمة وتكييف الوضع الدبلوماسي تبعاً  للوضع الديني في الأماكن المقدسة، والى هذا الحد فان هذه الدراسة تقترح نوعاً مختلفاً من التنظيم للأماكن المقدسة، والمساحة المتبقية من المدينة في النهاية يجب أن تصنف طبقاً للمعايير التي تشكلت خلال المفاوضات الأخيرة، وتلخصت في مقترح كلينتون في شهر ديسمبر عام 2000.

 

مدينة موحدة

توجت القدس عاصمة لمملكة اسرائيل بعد هزيمتها على يد الملك داود عام 1000 ق.م. وبقيت تحت السيادة السياسية الاسرائيلية لنحو 500 سنة، وتحت السيادة الدينية بما يزيد عن ألف عام، ومساحتها المقدرة كانت تتراوح ما بين 8,5 هكتار الى 10 هكتارات (أو الآكر، كما يستعمله الكاتب).

ومع نهاية فترة الهيكل الثاني عام 70م بلغت القدس مستويات جديدة من التطور ممتدة لنحو 550 هكتاراً، والحدود البلدية بعد هذا الاتساع لم تستأنف التوسع إلا في منتصف القرن التاسع عشر، فمنذ حكم الملك داوود وخلال الألفي سنة من بعده شكلت القدس رمزاً للهوية والتراث اليهودي، وعندما أُعلنتْ المسيحية ديناً رسمياً للامبراطورية الرومانية أصبحت المدينة والكنائس المميزة تحديداً تحظى بالتعظيم الديني عند المسيحيين، أما المسلمون (حسب رأي الكاتب) فقد قدسوا المدينة قليلاً عقب انتصارهم عليها في القرن السابع الميلادي، ومع أنهم لم يعلنوها عاصمة بأية صورة، إلا انهم امتلكوا سيطرة دينية وسياسية عليها لنحو ألف وأربعمائة سنة.

أما الأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية لليهودية والمسيحية والاسلام فتتوزع فوق مساحة لا تقل عن 500 هكتار، تعادل 1,5% فقط من الـ 32,000 هكتار التي هي مساحة القدس الموحدة الآن.

ولقد  تركت حرب الاستقلال عام 1948م مدينة القدس القديمة خالية من السكان اليهود، واستمر ذلك طيلة الثمانية عشر عاماً من الحكم الاردني الى ان احتلتها اسرائيل مع الضفة الغربية عام 67، وأعادت توسيع حدود المدينة، وفيما يتعلق بالأماكن المقدسة في القدس، فقد قررت الحكومة العسكرية الاسرائيلية  أن تبقى على الوضع الراهن، حيث أعطي المسيحيون سيادة قائمة لهم على كنيسة القبر المقدس وأجزاء من الحي المسيحي داخل البلدة القديمة، أما المسلمون فقد ترك معظم جبل الهيكل في ايديهم، ومنح اليهود معبراً حراً للحائط الغربي ولحوائط جبل الهيكل، كما سمح لهم بزيارة جبل الهيكل لكن بدون صلاة، أو رفع أعلام ترمز "للسيادة" على مناطق جبل الهيكل. وفيما يتعلق بالوضع القانوني للمدينة الموحدة فقد قبلت أغلبية المجموعة الدولية سيادة اسرائيل على القسم الغربي من المدينة، لكن لم تقر بهذه السيادة على القسم الشرقي، ومع ان السلطات الاسرائيلية اعتبرت القدس الشرقية جزءاً من دولة اسرائيل إلا ان المجموعة الدولية رفضت هذه الخطوة.

لم تتم عملية توسيع السيادة القانونية عام 67 طبقاً للبروتوكول، بقيام وزير الداخلية بتشكيل لجنة لجمع الحقائق واصدار أمر بمناقشة المسألة. ولكن من خلال تعديل الأمر الصادر في سبتمبر عام 48 بممارسة "اجراءات السيادة والقانون" تسمح المادة (11ب) منه باستكمال الضم بعد سبعة عشر يوماً من انتهاء الحرب.

وقد طبع الأمر في اليوم الثاني من قبل سكرتير الحكومة ورسم  الخط البلدي بصورة متخيلة بين نقاط معروفة، وعلى امتداد العملية القانونية لم يَرد ذكر لإسم القدس في أي مكان، الأمر الذي يعكس رغبة الحكومة بكل وضوح في الاخفاء وصرف الأنظار عن عملية الضم خوفاً من ردود الفعل الدولية القاسية.

 والخلاصة ان خمسة مبادئ رئيسية فرضت الحدود الجديدة للمدينة:

المبدأ الأول: كان هو الأول والأكثر أهمية وهو "سكاني ومناطقي" بمعنى ضم مساحات للقدس بغرض ضمان توسعها ونموها بينما يتم تجنب ضم الكثافة السكانية في مخيمات اللاجئين والقرى العربية ضمن حدود المدينة، وبالممارسة فان المساحة الكلية للأراضي التي تم ضمها للقدس تصل الى 17,500 هكتار، لا تشكل القدس الاردنية منها إلا 1500 هكتار فقط، وبقية الأرض تملكها ثمان وعشرون قرية، وعدد قليل من القرى جرى ضمه بالكامل. وعدد الفلسطينيين الذين أصبحوا من سكان القدس بين ليلة وضحاها ويحملون الجنسية الاسرائيلية 69000 شخص يمثلون 23% من مجموع سكان المدينة الموحدة، وكان يقصد بالضم السماح ببناء الضواحي اليهودية (المستوطنات) التي ستمنع أية محاولة لاعادة تقسيم المدينة، وترتب على ذلك مصادرة نحو 5,250 هكتاراً من المنطقة التي جرى ضمها، لكن المنطقة المتبقية تم اشغالها سريعاً بالسكان الفلسطينيين.

ويبلغ عدد السكان الفلسطينيين حالياً 231 ألف مواطن يشكلون 33% من سكان المدينة الموحدة. ويبلغ عدد اليهود الذين يعيشون في المستوطنات العشر لما بعد عام 67 (179,000) ساكن، يمثلون 40% من مجموع اليهود في المدينة كلها.

خارطة (1) تمثل حدود القدس بعد عام 67م

 

المبدأ الثاني: وكان بغرض فصل المدينة اقتصادياً عن محيطها، ولكن بالتجربة بقيت القدس الشرقية المدينة المركز والقلب التجاري للضفة الغربية، وبها أكبر كثافة للسكان في الضفة الغربية، يبلغ تعدادها حوالي 800,000 فلسطيني يتركزون في القدس الشرقية وضواحيها، والتي تتفوق بنشاطها الاقتصادي المميز.

 المبدأ الثالث: وهو استراتيجي وأمني تجاه الشرق، حيث كان اولئك المعنيون بهذا الشأن على قناعة تامة بأن الحدود التي يقومون بتوسيعها سوف تكون حدود الدولة في المستقبل القريب، وبالتالي فقد شملت الكثير من قمم التلال المحيطة بالقدس، وبالممارسة على مر السنين قامت اسرائيل ببناء المستوطنات الجديدة فوق هذه التلال، هناك رامات ألون ورامات شلومو في الشمال وجيلو في الجنوب، واليوم فان جبل جيلو في الجنوب، والنبي صموئيل في الشمال ومرتفعات معالي ادوميم في الشرق (والتي هي خارج حدود الضم) هي التي تسيطر على المدينة التي جرى توسيعها.

لقد قبل الفلسطينيون في مفاوضات كامب ديفيد أن تكون دولتهم المستقبلية منزوعة السلاح مستقلة عن الجيش الأجنبي والتسيلح الثقيل.

وبالمقابل اقتصرت الحاجات الأمنية الاسرائيلية على الدفاع ضد الارهاب الذي لا يستوجب ضم مناطق فلسطينية الى المدينة، لا سيما المناطق الواقعة خارج المدينة المحمية بالجدار الفاصل.

وفي الحقيقة فان ترك مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية خارج حدود المدينة سوف يسهل الحل الأمني اللازم لسير الحياة اليومية في القدس.

 المبدأ الرابع: وكان يقصد به ان تكون بعض المرافق المهمة ضمن حدود بلدية القدس، مثل مطار عطاروت والمسلخ في شعفاط والمقبرة في جبل الزيتون، وعند الممارسة فقد تبين ان المطار لم يستخدم الى الآن، وما من حاجة اليه، والمسلخ قد توقف عن العمل، وان مدافن جديدة قد أخذت محلاً لها في جبل الزيتون، ومع ذلك فان هذه الأماكن ذات أهمية دينية وتاريخية.

 المبدأ الخامس: وكان بغرض أخذ ملكية الأرض الخاصة والترتيبات السالفة عليها في الاعتبار، ولكن عند  الممارسة جرى ضم الأراضي الواقعة ضمن حدود بلديات بيت لحم وبيت جالا والبيرة كجزء من الـ 5,250 هكتاراً التي تمت مصادرتها من الأراضي الفلسطينية، وذلك لاقامة مستوطنات يهودية.

ومع انه طبقاً للقانون الاسرائيلي لعام 1950م والمتعلق بالأراضي المهجورة، والذي يسمح للحكومة بمصادرة هذه الأراضي والملكيات الخاصة، فان الحكومة مع ذلك تجنبت هذه الاجراء.

 ولكن من أجل تسريع بناء الجدار الفاصل في 8 ابريل 2004 أباحت الحكومة الاسرائيلية مصادرة الأراضي التي تقدر بملايين الدولارات من أصحابها الشرعيين، وحتى بدون الحق في المقاضاة.

وخلال مفاوضات بين الاسرائيليين والفلسطينيين في محادثات طابا في كانون ثاني 2001 والتي قامت على مقترحات كلينتون بشهر كانون أول عام 2000 تم الوصول الى تفاهمات بأن تبقى المستوطنات الاسرائيلية تحت السيادة الاسرائيلية عند التسوية النهائية.

هذا عرض للمبادئ الخمسة التي فرضت فكرة توسيع مدينة القدس. ولكن بالرغم من انقضاء ثمانية وثلاثين عاماً على توحيدها فإن القدس الشرقية –في واقع الأمر ظلت منفصلة عن القدس الغربية وعن المستوطنات اليهودية في الشرق، ومعايير البنى التحتية مختلفة بالكامل فـ 50% من القدس الشرقية بدون شبكات مياه وبدون أنظمة صرف صحي، وكذلك 50% من أراضي القدس الشرقية بدون مخططات مفصلة او مناطق موزعة مقبولة، الأمر الذي يجعل تخطيط الطرق والبنى التحتية وإقامة البناء حسبما تسمح به المخططات أمراً في غاية الصعوبة.

وبالرغم من العبور غير المقيد بالفعل للعمالة الفلسطينية في القدس نحو سوق العمل الاسرائيلي ، إلا ان الواقع يتحدث عن سوقين للعمل في شطري المدينة. والأمر نفسه ينطبق على نظامي النقل والتعليم. وليس غير ستة آلاف وهم نسبة ضئيلة من سكان القدس العرب اختاروا الجنسية الاسرائيلية تبعاً لوضعهم كمواطنين اسرائيليين، والفلسطينيون الذين يدفعون الضرائب ويتمتعون بالخدمات والمساعدات التي تقدم للسكان الاسرائيليين لا يلجأوون للسلطات الاسرائيلية إلا عندما لا يجدون خياراً آخر أمامهم.

هم يقاطعون الانتخابات البلدية، والذين يمتلكون أماكن إقامة أخرى لهم خارج مدينة القدس أدلوا بأصواتهم في انتخابات رئيس السلطة الفلسطينية والمجلس التشريعي التي جرت في كانون ثاني عام 1996م، وفي انتخابات رئيس السلطة الفلسطينية عام 2005م، هذا الواقع وبجانبه التقدم الذي تم احرازه في قمة كامب ديفيد في تموز عام 2000 فرض التوجه نحو مشروع كلينتون من أجل التسوية النهائية.

ومشروع كلينتون مختلف عن الموقف الأمريكي التقليدي حيث اعتبر الادارات البلدية الجديدة والمستوطنات اليهودية في القدس اجراءات مؤقتة يجب أن لا تؤثر على الوضع الحالي والمستقبلي للمدينة في مرحلة مفاوضات التسوية النهائية.

لقد اقترح كلينتون تقسيم المدينة تبعاً لمبدأ ان المناطق العربية هي فلسطينية، والمناطق اليهودية هي اسرائيلية.

والمبدأ بكل بساطة ينسحب على المدينة القديمة، ولقد قبل المفاوضون الاسرائيليون والفلسطينيون هذا المشروع، وتقدموا نحو التوصل الى حل في محادثات طابا، كما رسمت "محادثات جنيف" غير الرسمية التي اختتمت في تشرين أول (اكتوبر) 2003 حلاً يتفق مع تفاصيل المشروع الذي عرضه الرئيس كلينتون:

                                      خارطة رقم (2) عاصمتان لدولتان( اتفاقية جنيف)

 

 

لقد دفع انهيار العملية السياسية الذي أعقب قمة كامب ديفيد نحو موجة العنف التي شعر خلالها كل من الطرفين أنه خدع، وأن ليس هناك شريك للتفاوض معه حول حل مقبول، وأكثر من ذلك أجبر الضغط الشعبي الاسرائيلي - كرد فعل على عنف وارهاب الانتفاضة- الحكومة الاسرائيلية على اقامة منطقة عازلة وجدار أمني يلتف حول القدس.

وأقرت الحكومة الاسرائيلية المسار في حزيران من عام 2002 وفي تشرين أول (اكتوبر) 2004 اتجهت النية لتوسيع حدود القدس بزيادة منطقة أمنية اضافية، فقد جرى ادخال جميع قمم التلال التي تشرف على القدس والواقعة خارج حدودها داخل المنطقة العازلة Seam region فهناك جبل جيلو في الجنوب الذي يشرف كذلك على بيت لحم وبيت جالا، وهناك النبي صموئيل وزيتون الشيخ في الشمال واللذان يشرفان على بيتونيا ورام الله.

 قررت الحكومة الاسرائيلية أن تدمج المنطقة الجغرافية التي جرى ضمها عام 1967م والمساحات الاضافية في الفراغ العازل لكنها لم تدمج المناطق الآهلة بالسكان أو توفر لها بنى تحتية أو خدمات أسوة بالمناطق الاسرائيلية.

والجدار الفاصل الذي هو قيد البناء أحدث تغيرات عميقة في نظم حياة المواطنين الفلسطينيين في الشطر الشرقي من المدينة، داخل حدود بلدية القدس، كذلك فإن الـ 200 ألف فلسطيني الذين سيعيشون ما بين الجدار والخط الأخضر سوف يضطرون لاتخاذ انماط حياة وروتين جديد في السلوك، تماماً كاولئك الذين سيعيشون على الجانب الشرقي من الجدار، لكن هذا كله لن يقلل من شدة مطالبة الفلسطينيين بأن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة المستقبل.

لقد أجبر قرار المحكمة العليا الاسرائيلية في حزيران 2004 بعد الالتماس الذي قدمه المواطنون الفلسطينيون من قرية بيت سوريك بالاشتراك مع مستوطني"ميغازريت زيتون" و"مجلس السلام والأمن" الحكومة الاسرائيلية في شباط 2005 على قبول مسار متفق عليه "بديل" لمسار الجدار يوازن بين متطلبات الأمن الاسرائيلي ومستلزمات أنماط الحياة الفلسطينية.

هذا المسار الجديد سوف يقلل نسبياً من مساحة الأرض الفلسطينية التي سيجري فصلها عن مالكيها، كما سيقلل من عدد الفلسطينيين الذين سيتم عزلهم غرب الجدار، لكنه لن يخفف من جسامة فصل القدس الشرقية عن مواطني الضفة الغربية.

خارطة رقم (3) المجال العازل لمنطقة القدس

 

وعلى الرغم من توحيدها المزعوم تمضي الحياة في القدس كعاصمتين منفصلتين لاسرائيل، وللفلسطينيين في الضفة الغربية.

المبادئ الخمسة كلها التي أدت لتوسيع حدود المدينة بعد عام67 لم تعد ذات جدوى سواء من حيث فشلها في تحقيق أهدافها بفصل القدس الشرقية عن الضفة الغربية، أو بسبب التطورات السياسية التي فرضت الحاجة الى الدفاع ضد جيش منظم.

وحتى بعد إحداث اي تعديل في ترسيم الجدار، فان نمط الحياة للسكان الفلسطينيين في القدس الشرقية والضفة الغربية سوف يتعرض لاضرار بالغة بعد اكتمال الجدار.

كما ان الاجراءات الأخرى لبلدية القدس والمتمثلة في التوجه لبناء أحياء يهودية في قلب التجمعات السكانية الفلسطينية في القدس الشرقية سوف تزيد من تعقيد عملية الفصل على أساس سكاني، والذي مازال قائماً حتى اليوم في القدس.

اذا كان الأمر كذلك، وبعد الإستنتاج بأن الضم وبناء الأحياء اليهودية لم ينجحا في اقناع الفلسطينيين بوقف الصراع من أجل اقامة عاصمتهم في الجزء الشرقي من المدينة، فانه يجب بالتالي اتخاذ خطوة مختلفة للتعامل مع "تحدي القدس".

 وتقتضي هذه الضرورة التالي:

1 - مرحلة انتقالية لتفعيل التحول من حالة المدينة الموحدة إلى عاصمتين لدولتين.

2 – في المرحلة الثانية تجب إعادة تنظيم الأماكن المقدسة لنزع فتيل صراع المصالح الدينية والسياسية في حال التوصل لحل دائم لمدينة القدس.

مشروعية الحل في المرحلة الثانية سوف تتوقف على قبوله من كلا الطرفين كجزء من تسوية دائمة، وسوف يتم تحقيقه في حالة واحدة، وهي ان يكون جزءاً من حل دائم وشامل، وذلك من أجل منع الطرف القوي من فرض أي نفوذ يتمتع به في المرحلة الانتقالية.

 الفترة الانتقالية

The Period of transition

 في صميم مشروع مقترح المرحلة الانتقالية ايجاد منطقة عازلة وضيقة (خريطة رقم 4 وجدول رقم 1 يوضحان هذا المقترح)، تراعي الضرورات الأمنية الاسرائيلية وتحفظ نمط الحياة للسكان الفلسطينيين في القدس والمنطقة المرتبطة بها.

وبصورة قاطعة لا يدعو المقترح لاحداث اي تغير في الوضع القانوني للمدينة أو سكانها، كما لا يؤثر على الخدمات الاجتماعية المكرسة لهذا الغرض، أما المبادئ التي تجب المحافظة عليها في هذا المقترح فهي الآتي.

1 – استمرار عمليات جيش الدفاع وقوات الأمن الاسرائيلية على جانبي الجدار الأمني والى ان يتم ا برام اتفاقية بين الطرفين.

2 – الحفاظ على أمن المستوطنات الاسرائيلية في القدس بوضعها في منطقة محمية ومنفصلة عن الضواحي الفلسطينية.

3 – التأكيد على التواصل بين المدينة وبين الضواحي الحضارية الاسرائيلية المحيطة بالعاصمة (معالي أدوميم وجفعات زئيف) وما يتبعها في المنطقة المحمية.

4 – وضع نظام للعبور يسمح بدخول المواطنين الاسرائيليين-او الاسرائيليين والفلسطينيين الى المنطقة الاسرائيلية المحمية (والخروج منها دون تحكم).

5 – الاحتفاظ بسبعة معابر في الجدار القائم مفتوحة بحرية أمام مصالح الفلسطينيين، وحركة المرور الاسرائيلية على الطرق الالتفافية بينما تتم الرقابة الأمنية من خلال نقاط تفتيش عشوائية أو من خلال سيطرة مطلقة، وذلك يخضع للتقديرات الأمنية.

6 – هذا الجدار سوف يخلق منطقة للرقابة الضرورية للأنشطة الارهابية قبل وصولها الى المنطقة المحمية.

7 – ضمان الوصول الى الأماكن المقدسة لمواطني الجانبين من الأديان الثلاثة الى اماكنهم الدينية.

 القدس خلال مرحلة التحول (الى عاصمتين)·

 

القدس الشرقية

منطقة القدس المقررة

منطقة القدس المقترحة

منطقة المراقبة

المنطقة المحمية

المنطقة بالآكر

17,500

41,340

13,344

7,508

23,834

الفلسطينيين

231,000

199,485

158,161

132,906

25,255

الاسرائيليين

179,000

215,458

212,362

3174

209,188

ولنضرب مثالاً

الفلسطيني الذي يحمل هوية السلطة الوطنية يمكن له ان يغادر كتلة القرى الواقعة جنوب الطريق السريع رقم 443 على طريق (موداعيم –جفعات زئيف) ويقود سيارته على هذا الطريق، ثم يدخل "منطقة الرقابة والتفتيش" بالقرب من "بيت هورون" أمام معبر مفتوح دائماً فيعبر منه ويتجه الى بيتونيا نحو منطقة مخيم عوفر للاجئين، حيث معبر شبيه بسابقه، وبامكانه ان يصل الى التجمعات الفلسطينية في شمال القدس وشعفاط وبيت حنينا بدون تأخير، ثم يعبر الى الشمال والشرق من تحت جسر في منطقة مخيم شعفاط دون تأخير.

أما الدخول الى "منطقة الرقابة والتفتيش" فسيكون مقيداً باشراف قوات الأمن الاسرائيلية، وتبعاً للتقديرات الأمنية. وهذا الفلسطيني الذي أوردنا خط سيره اذا ماكان  مسموحاً  له بدخول القدس، فبامكانه ان يجتاز واحداً من المعابر الثلاثة الآتية: بدو في الشمال، وحاجز 300 بالقرب من قبر راحيل في بيت لحم جنوباً، وجبل سكوبس في الشرق.

وأي اسرائيلي لا يرغب في دخول القدس بامكانه اتخاذ نفس المسار ومتابعة السير نحو وادي الاردن أو البحر الميت بدون تأخير.

 

أما الدخول الى القدس نفسها فسيكون عبر حواجز تفتيش للاسرائيليين، وعلى افتراض ان الحكومة الاسرائيلية والسلطة الوطنية توصلتا لإنهاء الصراع، واستئناف المفاوضات من أجل تسوية دائمة فان هذا المقترح سوف يأتي بالمنافع الآتية:

1 – تحسن أمن المستوطنات الاسرائيلية لكونها قد أصبحت ضمن المنطقة المحمية بدون سكان فلسطينيين ممن يشاركون في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.

2 –لا يتم مس الوضع القانوني للمدينة وسكانها، حيث يستمر السكان الفلسطينيون في الحصول على الخدمات البلدية، ومبالغ الضمان الاجتماعي، وغيرها من الخدمات التي يكفلها القانون، وفي حال حدوث تعاون بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية فسوف يصبح بالامكان –حتى نقل مسؤولية الضواحي اليهودية كلها الى أيدي الفلسطينيين، طبقاً لما هو عليه الوضع في منطقة "ب" B.

3 – تبقى الأوضاع الحياتية Routines للاسرائيليين والفلسطينيين في منطقة القدس، وفي المدينة نفسها على وضعها الحالي. بأن يبقى القسم الغربي من المدينة والمستوطنات اليهودية تابعين لدولة اسرائيل، وتبقى التجمعات السكانية الفلسطينية تابعة للضفة الغربية. الأمر الذي سوف يحد من النزعة المتزايدة –لحملة الهوية الاسرائيلية من الفلسطينيين- نحو الهجرة الى داخل اسرائيل، تماماً كما سيحد من تدني مستوى المعيشة في القدس الشرقية، وهي الحقيقة الاقتصادية التي توفر الأرضية ا لخصبة لإقدام المنظمات الارهابية على تنفيذ عمليات جديدة.

4 – من الناحية العملية يمكن لهذا المشروع ان يتحقق بسهولة ودون أن يؤخر استكمال الجدار الذي أقرته الحكومة.

5 – سوف يسمح هذا المشروع بتأجيل الجدل السياسي الدقيق المتعلق بحدود القدس، لأنه سيبقي الوضع القانوني لبلدية القدس على حاله.

كذلك فان بعض الناس سوف يدعون بالعكس من ذلك تماماً، طالماً ان حدود المنطقة المحمية (المستوطنات) قد جرى تحديدها على أساس ديموغرافي.

6 – سوف يفتح هذا المقترح قناة سياسية لحل الصراع بدون إعاقة قيام اتفاقية مستندة على مقترحات كلينتون.

7 – يؤدي المشروع الى توفير مئات الملايين من الشواكل التي ستنفق على بناء معابر في الجدار الفاصل بغرض الابقاء على نمط الحياة الفلسطيني.

هنالك الذين يعارضون الفكرة الأساسية التي يقوم عليها هذا المقترح، وهي تقسيم القدس طبقاً لمشروع كلينتون الى جانب كون المقترح تعتريه بعض أوجه النقص كالآتي:

1 – معارضة اليمين الاسرائيلي لترسيم مسار سياسي يقوم على خط ديموغرافي يستبعد مدينة داود وجبل الزيتون من منطقة القدس.

2 – معارضة المواطنين الفلسطينيين في المدينة لمراقبة تنقلهم بين شرق المدينة وغربها.

3 – اعتراض فلسطيني على حق اسرائيل في إغلاق منطقة الرقابة والتفتيش في وجه السكان الفلسطينيين من يهودا والسامرة.

4 – زيادة في تكاليف البناء والتشغيل لهذا الطوق  والذي سوف يعتمد بالضرورة على نظامين، الأمر الذي يتناقض مع ما ورد من توفير في النفقات.

5 – تقصير الوقت والمسافة اللآزمين لعبور الارهاب من يهودا والسامرة واختراق القسم الغربي من المدينة، وذلك بسبب فكرة المعابر المفتوحة يومياً باتجاه منطقة الرقابة والتفتيش والتي تحاذي –جزئياً- المنطقة المحمية.

بعد كل هذا فان هذا المقترح لا يبدو ممكنا فحسب، بل وكذلك يتوقف على كلا الجانبين من خلال استعمال مصطلحات روتينية ورأي شعبي من أجل إعادة تعريف  Redefinition للقدس الموحدة كعاصمتين لدولتين مستقلتين.

 

الحل الدائم

مقترح لمنطقة تاريخية

حل دائم في القدس ينبغي ان يتضمن بالضرورة اتفاقاً على المنطقة ذات الأهمية التاريخية والتي تتضمن وتمتد خارج حدود المدينة القديمة.

وتوضح الخريطة رقم (5) المنطقة التي تتوزع فيها الأماكن المقدسة والتي تشمل بصورة رئيسية المعاهد الدينية والمقابر. وجزء من هذه المنطقة محاط (مادياً) بالأسوار العثمانية التي اقيمت مع بداية القرن السادس عشر الميلادي، والتي لا تمتلك في حد ذاتها اي نوع من القداسة التي تستدعي تصنيفها ضمن المعايير المعيقة. أن تشيد أسوار جديدة حول المنطقة المخصصة دون ايقاع الأذى بالأسوار القائمة سوف  يجسد فصلاً واضحاً بين الأماكن المقدسة وبقية أجزاء المدينة تعبيراً عن حدود فاصلة، مع قدرة على الفصل عن المنطقة الحضرية الكبرى في المدينة والقائمة على حلول معمارية موجودة.

ويمكن ان تحتضن تلك الأسوار (الجدران) مراكز للنقل والثقافة والتجارة، واللهو والمتاحف والمعارض... الخ، وذات أهمية ومنافع للأفراد من أصحاب الديانات الثلاث.

مثل هذا الفصل المادي سوف يتيح الفرصة لإقامة نموذج المدينة المفتوحة للقدس كلها بدلاً من الاقتراح الذي تم  طرحه في لقاء جنيف فيما يتعلق بالمدينة القديمة فقط.

ومع ان السيادة على هذه المنطقة سوف تقسم بين المجموعتين طبقاً لمشروع كلينتون، فلن تكون هناك عقبات مادية، وبالتجربة والممارسة سيتم الاحتفاظ بالوضع الراهن في جميع المواقع المقدسة للأديان الثلاثة.

 

 

المنطقة التاريخية للقدس

إن نموذج المدينة المفتوحة للمنطقة المقترحة، ومعها المدينة القديمة، ضرورة تلائم الطرفين.

فاسرائيل سوف تمتلك السيادة الخاصة على جبل صهيون، والفلسطينيون سيمتلكون السيادة على مدينة داوود (سلوان) والأماكن الأخرى في وادي قدرون، ولن يحدث اي تغيير على الوضع الراهن للمقبرة اليهودية على جبل الزيتون وقلعة داوود David’s Citadel التي ستبقى ايضاً خاضعة للادارة الاسرائيلية، وكل الترتيبات الخاصة واللازمة لتأمين حرية العبادة في الأماكن الواقعة خارج الأسوار العثمانية سوف تبقى محفوظة.

 

وهذا مثال

الاسرائيلي اليهودي الذي يرغب في زيارة المنطقة الخاضعة للسيادة الفلسطينية سوف يعبر من خلال واحدة من البوابات الأربع الخاضعة للسيادة الاسرائيلية، ويستطيع الوصول الى مدينة داوود، بدون جواز سفر أو اية ترتيبات مكوكية وعند عودته يسلك نفس المسار.

والأمر نفسه ينسحب على الفلسطيني المسيحي الذي يرغب في زيارة كنيسة في جبل صهيون او الفلسطيني المسلم الذي يرغب في زيارة مقبرة اسلامية هناك.

والمواطن من سلوان الذي يضطر للدوران حول المدينة القديمة من أجل الوصول الى سوق في الحي الاسلامي عبر بوابة الأسود يمكن له ان يفعل هذا بسهولة عبر بوابة جنوبية تؤدي الى بوابة دنج Dung. (التسمية الشعبية بوابة داوود)

وكل التفاصيل المتعلقة بالمرور والاقامة والخدمات البلدية، والأمن سوف تدار من خلال تشريع مشترك.

ومن الممكن –تبعاً للاتفاقية بين الطرفين- ان يصل التعاون بين البلديتين فيما يخص الادارة المشتركة للمنطقة المقترحة، إلى خيار استمرار سكن اليهود في المناطق التي تخضع للسيادة الفلسطينية مثل سلوان (مدينة داوود) او العكس.

أما المتبقي من المنطقة البلدية للقدس الموحدة، فيجب ان يقسم على قاعدة مقترح كلينتون مع ايجاد ترتيبات حدودية على المعابر تأخذ في الاعتبار نظام الطرق القائم والمخطط له ان يقوم.

المنطقة التاريخية

 

المحيط (بالأمتار)

6700

المنطقة بالآكر والآكر يساوي 4046م2

448

اقامة جدران جديدة

4600

ايجاد بوابات جديدة

4-5

فلسطينيين

36400

اسرائيليين

3000

جدول رقم (2)

 

الخلاصة:

يوفر المشروع حلولاً عملية وملائمة للمشاعر الدينية والوطنية لدى الفلسطينيين والاسرائيليين التي تحتقن بحساسية زائدة فيما يتعلق بالقدس، وتفاصيل هذا المشروع قائمة على فكرة الفوز للطرفين (او لا غالب ولا مغلوب)، وليس على أساس لعبة حاصل الجمع صفر، والحل لا يخفي blur تقسيم السيادة، وبالتالي يمنع الحوافز لخرق الاتفاقية بمحاولات فرض سياسة الأمر الواقع.

إن تبنى هذا المشروع سوف يتيح المجال للتغلب على واحدة من العقبات الرئيسية التي تعوق تسوية دائمة بين طرفي الصراع ، واذا ما قدر للسلام ان يعم بين الأطراف فسيكون من الممكن –في هذه الحالة- نقل هذا النموذج لمناطق أخرى داخل القدس أو خارجها بدون بناء جدار مادي.

 


 

· ملاحظة : جميع البيانات متعلقة بالمنطقة والسكان خارج حدود 1976، والمنطقة المقترحة مزيج من منطقة المراقبة والمنطقة المحمية وتشتمل عليها والمنطقة المقترحة، كما تتضمن مناطق الحماية والرقابة معاً.