نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

لحظة وطنية للحقيقة

بقلم: شاي فيلدمان

ترجمة : نصير أبو حجله

       

       مع غروب عام 2004 تبدو إسرائيل أقرب ما تكون إلى اتخاذ قرار وطني تاريخي قد يؤكد ويدعم صورتها كدولة ديمقراطية يهودية.  هذا القرار الخطير يجب أن يتبلور من عاملين أساسيين من صميم الموقف الاستراتيجي الإسرائيلي العام.  أولهما هو تعزيز مركزإسرائيل كقوة إقليمية متفوقة اختفى كل أعدائها المجاورين – ولو في الوقت الحاضر على الأقل- عن المسرح, إما لأن قوتهم قد هزلت بشكل ملموس,أو لأنهم غيروا من ساسياتهم بطريقة قللت من الخطر الذي كانوا يشكلونه لإسرائيل.

أما العامل الثاني فهو عجز إسرائيل عن استعمال قوتها الكاملة التفوق في فرض  إرادتها على الفلسطينيين. فتحقق بالتالي نهاية لهذا الصراع المستمر.

الأهمية الكلية لهذين العاملين أن إسرائيل الآن تتمتع بهوامش أمنية عريضة تسمح لها بالإقدام على اتخاذ خطوات كانت تبدو فيما مضى بالغة الخطورة كما أنها في الوقت نفسه لا خيار لها إلا أن تتخلى عن السيطرة على الفلسطينيين في يهودا والسامرة وشرق القدس وقطاع غزة (كما يحلو لهم أن يطلقوا الأسماء التي يريدون).

فهل ستمضي إسرائيل في هذا المسار قدماً, وهل سينهض زعماؤها لانتهاز هذه الفرصة مستثمرين اللحظة التاريخية المتاحة لهم؟

وهل سيمتلكون الشجاعة للتحلل من أنماط السلوك التقليدية التي اعتادوا عليها لعقود مضت, ويتبنون خطوات خلاقة تجاه الحقيقة الإقليمية الجديدة؟

هل بإمكان هؤلاء الزعماء أن يتنازلوا عن مشاريعهم التي كانت لوقت قريب على جانب كبير من الأهمية بالنسبة لهم و التي ما يزالون مشدودين إليها أيدولوجيا وعاطفيا؟

هذه الأسئلة التي تقبع لهم على نقطة التقاطع للصورة السياسية الاستراتيجية, ولسياسات القادة الإسرائيليين الشخصية ذات البعد السيكولوجي الوطني, وما زالت تحتاج إلى إجابات واضحة.

البيئة الاستيراتيجية

 سرعت الحرب على العراق بعض العمليات (السياسات ) في الشرق الأوسط, والتي قد بدأت قبل الحرب, وحفزت البعض الآخر بفعل التأثير المتبادل للتغيرات الطاغية لصالح بيئة استراتيجية إسرائيلية. والعراق الذي قد أنهكت قواه نتيجة حرب إيران 1980-1988, وحرب الخليج عام 1991, قد تمت إزاحته- ولو مؤقتا- عن القرار العسكري في الشرق الأوسط بعد هزيمته أمام قوات التحالف في إبريل عام 2003. 

وبالتالي فإن عنصراً رئيساً لأي تهديد محتمل من الجبهة الشرقية قد اختفى بصورة لا تقبل الشك في المستقبل المنظور. كما أصبح واضحا كذلك أن التهديد الذي كان قائماً بامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل - ربما تكون كامنة- لم يعد له وجود. وهذا في حد ذاته أبرز ما ساهم في تحسين الموقف الاستراتيجي العام بالنسبة لإسرائيل.

وكنتيجة لهذه الحرب أيضاً وجدت إيران نفسها في ظرفٍ استراتيجي غاية في التبدل. فجارتها العراق التي شنت حرباً دموية عليها منذ (ما يقارب عقدين من الزمن) والتي كانت متهمة بالمضي في تطوير الأسلحة غير التقليدية قد تمت هزيمتها, وأكثر من ذلك أن الولايات المتحدة التي أصبحت جارة لها بحكم الأمر الواقع بعد ما برهنت على تصميمها على التصرف ضد أي عضو مستهدف من دول محور الشر – ألمحت بأنها لن تسمح لإيران بأن تتحول قوة نووية.

في الوقت نفسه فإن دول أوروبا الغربية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا وبريطانيا التي تحاول أن تحبط تزايد قوات عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط هي ذات صلات وثيقة بالولايات المتحدة, وتمارس ضغوطها الشديدة على إيران كي تتخلى عن جهودها لتطوير أسلحة نووية.

ونتيجة لهذه التطورات المتسارعة أجبرت إيران على تأجيل أنشطتها المتعلقة بإنتاج المادة الانشطارية (تخصيب اليورانيوم و البلوتونيوم) والتوقيع على البروتوكول الإضافي الذي يسمح للجنة الطاقة الذرية بتنويع إجراءات التفتيش للتأكد بصورة فعلية من عدم قيام الدول الخاضعة للرقابة بإنتاج أسلحة ذرية.

هذه الإجراءات لا تمنع –بالمطلق- بلداً من الإنتاج السري للمادة الانشطارية, لكنها تجعل ذلك الإنتاج في غاية الصعوبة وتقلل بالتالي من فرص نجاح تلك المحاولات.

وفي الوقت الذي قررت فيه إيران-رسمياً- التوقيع على البروتوكول الإضافي أعلن الزعيم الليبي معمر القذافي قراره بتفكيك قدرات بلده لتصنيع أسلحة غير تقليدية ( ذرية- بيولوجية- كيماوية بالإضافة للصواريخ البالستية التي يتجاوز مداها 350 كم ) ومن الطريف أن هذا القرار جاء خروجاً على التوصيات التي دعت إليها الجامعة العربية عام 1992 بتجنب التوقيع على ميثاق الأسلحة المحظورة طالما أن إسرائيل ترفض التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية.

جاء إعلان القذافي عقب اتفاقية تم التوصل إليها مع الولايات المتحدة وبريطانيا التي أنهت النزاع حول طائرة (بان أمريكان) التي انفجرت في سماء لوكربي باسكتلنده عام 1988, كما جاء هذا الإعلان عقب زيارات عناصر من الاستخبارات الأمريكية والبريطانية للمنشآت الليبية التي كانت تنتج تلك الأسلحة المحظورة, كل هذه الوقائع تشير إلى تراجع في السياسة الليبية.  بل وذهب نجل (القذافي) سيف الإسلام في أوائل يناير عام 2004 إلى التصريح بأن ليبيا لم تعد تعتبر إسرائيل تشكل تهديداً لأمنها.

إن إزاحة العراق من دائرة القرار العسكري للمنطقة إلى جانب التغير الدراماتيكي في السياسة الليبية خير دليل على انهيار المعسكر الراديكالي في العالم العربي, وهو ما يشكل تأثيراً خطيراً على الوضع الإقليمي لسوريا التي ما زالت تقف حتى هذه اللحظة بثبات على السياج "مفترق الطرق" ما بين الأقطار المعتدلة التي على رأسها السعودية ومصر والأردن من جهة والمعسكر الراديكالي الذي كانت تقوده العراق وليبيا من جهة أخرى. فجأة وجدت سوريا نفسها- ودون أن تدري- تلامس الحد الأشد تطرفاً في العالم العربي الأمر الذي سيضعها تحت أضواء إدارة الرئيس بوش لتفرض عليها عقوبات إقليمية.

لقد دفعت الصعوبة الاستراتيجية التي تواجه الرئيس السوري بشار الأسد لإرسال عدة رسائل تعبر عن استعداده للعودة إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل.  وحتى خلال زيارته لتركيا في يناير 2004 لم يتلفظ بأي نقد للعلاقات التركية الإسرائيلية الوثيقة, هذه العلاقات التي تمثل الجانب الأشد خطراً في التهديد الاستراتيجي لسوريا تم الإقرار بها كأمر واقع.

هذه التأثيرات التي تراكمت بفعل التغيرات المتلاحقة التي فرضت نفسها مؤخراً على العراق وإيران وليبيا وسوريا كانت انقلاباً كاسحاً لصالح الاستراتيجية الإسرائيلية, وانعكاساً لآثار اتفاقيات السلام التي تم توقيعها بين مصر وإسرائيل منذ ربع قرن, وبين إسرائيل والأردن منذ أكثر من عقد من الزمان.

لقد تم اختبار ثبات هذه الاتفاقيات عبر السنين, وتجلت قدرتها على الصمود في وجه الضغوط المتقاطرة الحادة بدءاً من حرب لبنان وانتهاء بالعنف الفلسطيني ( الانتفاضة ) في نهاية سبتمبر عام 2000.

عند أخذها مجتمعة نجد أن هذه التغيرات قد حدت بشكل ملموس من مجمل التهديدات التي تواجه إسرائيل.

الجدل في الساحة الإسرائيلية

هذا التحسن الدراماتيكي في البيئه الاستراتيجية لإسرائيل قد ترافق بالوعي المتزايد لدى الجمهور الإسرائيلي بأن القوة المتفوقة لا تكفي لفرض إرادة إسرائيل على الشعب الفلسطيني, وحسم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالقوة.

وهذا الاعتراف الذي جاء مقترناً بالفهم أن هذه القوة المتفوقة قد تسمح بخطوات كانت محفوفة بالمخاطر فيما مضى مهد الساحة أمام الأغلبية الإسرائيلية لدعم خطة الفصل من أجل تحسين صورة إسرائيل كدولة ديموقراطية يهودية.

هذه الخطة التي تدعو لفك الارتباط والتخلي عن السيطرة على الفلسطينيين في يهودا والسامرة والقدس الشرقية وقطاع غزة.

وبما أن هذه الأغلبية اليوم مع هذا الفصل أحادي الجانب فهذا يعكس مجموعة من المقدمات أو البديهيات التي تبلورت في السنوات الأخيرة عبر الجدل الجماهيري في الشارع الإسرائيلي.

هذه المقدمات لم تسلم منها حتى بعض زعامات حزب الليكود ممن عملوا على تقبلها بأسلوب ملتوً مثل أرئيل شارون أو بطريقه واضحة ونشطة مثل ايهود اولمرت.

والمقدمة الأولى (Premise) هي أن إسرائيل لا تملك القدرة على فرض أو حتى التأثير في نهاية للصراع الدموي مع الفلسطينيين, إذ كما يبدو أن مكاسب إسرائيل التكنولوجية, وكذلك محاولاتها الناجحه- بالاغتيال أو بالاعتقال- لإخماد الهجمات الإرهابية, ومعها كل طرق الإحتواء على الحواجز ونقاط التفتيش, بل وحتى الجدار الفاصل, كلها لم تقدرعلى إقناع الفلسطينيين بأن قتالهم لا فائدة منه, وعليهم بالتالي إلقاء أسلحتهم.

أما المقدمة الدقيقة الثانية فهي أن الاتجاهات الديموغرافية ما بين البحر الأبيض ونهر الأردن تعطي مؤشراً على أن اليهود على وشك أن يصبحوا أقلية في المنطقة, وعندما يحدث هذا ستكون إسرائيل مطالبة بحق الانتخاب لكل فرد,  one man one vote أما شرعية هذا المطلب في نظر المجموعة الدولية فتعني أن أي محاولة للإبقاء على صورة إسرائيل دولة يهودية ديموقراطية على حساب الحقوق السياسية الفلسطينية سوف تضع إسرائيل في موقع حكم الابارتيد الذي انهار في جنوب إفريقيا, وأكثر من ذلك تعلم الجمهور الإسرائيلي أن يلمس المكاسب الاقتصادية الإسرائيلية التي تحققت عام 1990 إبان الوضع الأمني المستقر نسبياً والذي نعمت به إسرائيل, وكذلك خلال تحولها إلى طرف في الاقتصاد العالمي.

والآن سواء نظر إليها النظام العالمي كنظام ابارتيد, أو نظر إليها على أنها مجازفة أمنية فإن الخسران الاقتصادي لإسرائيل سيكون باهظاً.

أما المقدمة المنطقية الثالثة فتتعلق باستحالة التعايش بسلام آمن مع الفلسطينيين في إطار دولة واحدة.  لقد استخلص الجمهور الإسرائيلي هذه الحقيقة بشكل رئيسي عبر مشاهدة العرب داخل الخط الأخضر وهم يتظاهرون مع بدء الانتفاضة واندلاع أعمال العنف الفلسطيني في 28 سبتمبر عام 2000, ومن خلال تلك المواقف التي تبناها أعضاء الكنيست العرب خلال السنوات المنصرمة.

لقد انتهى الكثير من الإسرائيليين إلى قناعة أنه إذا فشلت محاولات التعايش داخل الخط الأخضر فلن تكون هناك أية فرصة لإحياء تلك العلاقات مع الفلسطينيين في الجانب الآخر من الخط الأخضر, وتبعاً لذلك فإن نسبة متزايدة من الإسرائيليين أصبحت ترى طموح إسرائيل الكبرى كابوساً وليس حلماً.

أما عن المقدمة المنطقية الرابعة فهي استحالة أن تجد زعيماً فلسطينياً تتاح له فرصة البحث عن اتفاقية تؤدي إلى العيش بسلام داخل دولتين إسرائيلية وفلسطينية أولاً والقدرة على كسب الدعم الكافي لمثل هذه الاتفاقية المحتملة مع الفلسطينيين ثانياً مع تفادي أولئك الذين يرغبون في تدميرها.

في هذا السياق تأتي العبرة الكبرى من المحاولات الفاشلة لرئيس الوزراء الأسبق ايهود باراك من أجل حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي, فشهادته – كزعيم لحزب العمل – بحقيقة أن لا فرصة للوصول إلى اتفاقية خلال المفاوضات مع ياسر عرفات خلقت قناعة لدى الكثيرين – وحتى أولئك الناشطين من حركة السلام – أن لا وجود لمثل هذا الشريك – وعلى الأقل – ما دام عرفات قائماً على المسرح.  وهذا ما انتهى إليه " المركز السياسي الإسرائيلي " خلال تقييماته وعبر جمع مدخلات – لما بعد الجهود الفاشلة التي خاضها أبو مازن أول رئيس وزراء فلسطيني, لوقف العنف وتجديد المفاوضات السياسية.

والتطورات منذ أن جاء أبو علاء ( أحمد قريع ) خلفاً لأبو مازن في رئاسة الوزراء لم تحسن من فرص تجديد هذه المفاوضات.

إن الشعور بأن لا شريك للسلام أدى إلى تغيير في طبيعة الجدل داخل الشارع الإسرائيلي, فمن التحاور حول ما إذا كان بالإمكان إرضاء الفلسطينيين بتنازل مقبول من الإسرائيليين للوصول إلى تفاهم مشترك - وهي القضية التي أدت إلى انقسام بين الجمهور الإسرائيلي منذ عام 67 - إلى تحاور حول ما الذي ينبغي عمله في حالة عدم وجود هذا الشريك, للحفاظ على المصالح الإسرائيلية الحيوية ؟.

من خلال هذه البداية وما بعدها توقف الجمهور الإسرائيلي عن أن يكون منقسماً بالتساوي, والآن في الغالب ثلاثة أرباعه تدعم فك الارتباط مع الفلسطينيين, حتى ولو حدثت تعديلات مختلفة على معاني هذا الفصل أو فك الارتباط وما سوف يتبع ذلك.

البديهية المنطقية الخامسة ترى أن أية اتفاقية مع الفلسطينيين وتحت أية ظروف لا فائدة منها, بعد أن أثبتت محاولات تنفيذ اتفاقات أوسلو جاهزية الفلسطينيين دائماً لخرق أية اتفاقية يوقعون عليها, إن فقدان الثقة بين الطرفين منذ اندلاع العنف في نهاية سبتمبر عام 2000 ( الانتفاضة ) قاد إلى الاعتقاد أن لا معنى لانفصال متفق عليه مع الفلسطينيين, ناهيك عن الخسائر المتضمنة في الفصل الأحادي الجانب نفسه.

فالفلسطينيون – من وجهة نظرهم- وتحت أي ظرف من الظروف ليس لديهم النية للوفاء بالتعهدات التي تفرض عليهم كجزء من أية اتفاقية.

المقدمة السادسة والأخيرة التي يراها الجمهور الإسرائيلي أنه ولأسباب متعددة أولها انشغال أمريكا في المسرح العراقي, وهو التورط الذي يستنزف معظم الوقت والجهد – الذي كان الرئيس بوش سينفقه في الشرق الأوسط -. لن تنقاد أمريكا نحو القفز ببدء عملية المفاوضات في الشرق الأوسط.  وسوف تستمر واشنطن في شجب أعمال الإرهاب الفلسطينية ( من وجهة نظر الكاتب ) والتعبير عن معارضتها للممارسات الإسرائيلية, وفي الوقت نفسه سوف تمضي في معارضتها لتقديم أية محاولات نوعية لحل النزاع على الطريقة البطولية لكل من الرئيسين كارتر وكلينيون.  وتبعاً لذلك فإن إسرائيل لا خيار لها إلا أن تتحمل مسؤولياتها لحل مشاكلها مع جيرانها الفلسطينيين.

هل قرار الأمة صائب ؟

من هنا فإن التشكل الواضح لهذه الأغلبية الإسرائيلية القوية الداعمة للفصل أحادي الجانب أو فك الارتباط مع الفلسطينيين, هو بهدف تحسين درجة الأمن الشخصي للإسرائيليين إلى جانب الحفاظ على صورة اسرائيل كدولة ديموقراطية يهودية, لذا فإن أهمية التغير الدراماتيكي الذي فرض وجوده على البيئة الاستراتيجية لاسرائيل تكمن في كون إسرائيل تتمتع بهوامش أمنية واسعة تسمح بالإقدام على مجازفات نحو اتخاذ خطوات تاريخية بعيدة المدى, ولازمة لتحقيق هذا الفصل.

بكلمات أخرى قادة إسرائيل الآن أكثر حرية من أي وقت مضى في اتخاذ قرارات تاريخية صعبة تتعلق بمستقبل البلاد.  وبالإضافة لذلك فإن التناقص الدراماتيكي للتهديدات التي تواجه إسرائيل يسمح لهؤلاء القادة بمرونة أعظم من الماضي, فيما يتعلق بالقضايا ذات الخصوصية, والتي كانت فيما مضى نواة المفاوضات مع الفلسطينيين وعلى سبيل المثال: الفرصة البائسة لعودة جبهة شرقية تعني أن إسرائيل الآن تستطيع الانفصال عن الفلسطينيين دون الإصرار على التمسك بسيطرة دائمة على وادي الأردن, وهي السيطرة التي ستثير اتهام المجتمع الدولي لاسرائيل بـأنها تعد سلفاً لابتلاع كامل مساحة الدولة الفلسطينية وفرض نتائج مسبقة على أية نتائج مستقبلية.

 هذه الاحتمالات ما زالت تترك السؤال مفتوحاً حول ما إذا كان زعماء إسرائيل يستعدون لهذه المناسبة ويعرفون كيف يستفيدون من الفرصة المتاحة لهم.  بالنسبة لرئيس الوزراء شارون مستعد بكل وضوح لاتخاذ خطوة دراماتيكية تتعلق بفك ارتباط عن التجمعات السكانية الفلسطينية في يهودا والسامرة وقطاع غزة ( ولم يذكر الكاتب القدس الشرقية ).

 ومن خلال أقواله في مؤتمر هرتسيليا في منتصف ديسمبر 2003, وفي اجتماع الليكود في أوائل شهر يناير 2004 صرح شارون بأن إسرائيل واجهت عملية في غاية الصعوبة وأعني إقامة دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي والذي يعني فك ارتباط عن معظم التجمعات الفلسطينية, بمعنى فك ارتباط لا يعني إخلاءً للبؤر الاستيطانية العشوائية فقط والتي أقيمت عقب اندلاع العنف الفلسطيني في سبتمبر عام 2000, بل وكذلك تغيير مواقع المستوطنات التي أقيمت على امتداد الثلاثين سنة الأخيرة, ومن أجل السماح بإقامة دولة فلسطينية سيكون من الضروري إعادة نشر لمواقع المستوطنات التي كان الغرض من وجودها في الأصل منع قيام هذه الدولة.  غير أن جملة عوامل – على ما يبدو – قادرة على تفجير إمكانية تحقيق وجهة نظر رئيس الوزراء.

أولها أن ليس من الواضح بتاتاً ما إذا كان شارون مستعداً بالفعل للتخلي عن مشروع الاستيطان الذي ساعد على خلقه واستثمر فيه جهوداً وموارد هائلة, وبه أصبح متميزاً خلال نشاطه السياسي, كما أنه من غير الواضح أيضاً ما إذا كان رئيس الوزراء يتمتع إلى الآن بالطاقة اللازمة لإنجاز هذه الخطوة التاريخية.

 كذلك استحالة فصل مسألة السيطرة على الفلسطينيين عن مسألة السيطرة على الأرض التي يعيشون عليها, وبالتالي سيكون من المستحيل فك الارتباط مع الفلسطينيين بدون الانسحاب من يهودا والسامرة, وبالتالي ربما يحاول رئيس الوزراء تنفيذ انفصال جزئي وهو ما يعني استمرار سيطرة جيش الدفاع على نصف مناطق يهودا والسامرة, ومثل هذه المحاولة ستكون لها عواقب وخيمة شبيهة بتلك التي نجمت عن قرارات الحكومة بترسيم الجدار الفاصل.

هذا الإجراء – من جهة – سيعتبر إرغاماً على الانسحاب under fire – ومن جهة أخرى – لن يقود إلى تحسن في العلاقات مع الفلسطينيين.  وسوف يصبح موضع شجب في الساحة الدولية بما فيها البيت الأبيض كخطوة أحادية الجانب لفرض سيطرة إسرائيلية دائمة على المناطق خارج الخط الأخضر.  وعلى أية حال إذا ما اعترف شارون بالحاجة إلى تطبيق كامل للسياسة التي حددها مؤخراً والتي تمثل تغييراً دراماتيكياً في وجهة نظره, وكذلك إذا لم تتمتع هذه الخطوة بدعم المجموعة القوية في الجمهور الإسرائيلي, فمن غير الواضح بتاتاً ما إذا كان شارون يستطيع حشد الدعم الكافي لها بين وزراء الليكود وأعضاء الكنيست.

 وسيكون من غير الواضح بشكل خاص ما الذي سيكون عليه موقف وزرائه الكبار؟

 هل سيحصل على تأييد نتنياهو وشاؤول موفاز وسلفان شالوم أم أن هؤلاء الوزراء الأقوياء سيستثمرون الشرخ الذي سيظل قائماً في الغالب في حزب الليكود من أجل تقديم مصالحهم السياسية الشخصية على حساب رئيس الوزراء؟

وإذا ما فشل شارون في الحصول على التأييد اللازم من قيادة حزبه فسوف يكون مضطراً لاستبدال هذا الدعم من أغلبية وزراء الليكود بتأييد من قبل قيادة حزب العمل.

فهل سيكون رئيس الوزراء مستعداً لهذه المجازفة باتخاذ هذه الخطوة السياسية الجريئة والمتعلقة بقضية على هذه الدرجة من المركزية بالنسبة لأيدولوجية حزبه؟

هذا هو الشأن الأعظم خطورة عند مقارنته بما كان مطلوباً من مناحيم بيغن الذي صادق على اتفاقيات كامب ديفيد, وتنازل عن السيطرة على صحراء سيناء, وهي المسألة التي لم تكن مركزية بالنسبة لأيدولوجية حزبه.

أخيراً وبكل تأكيد فإن أغلبية الجمهور الإسرائيلي سوف تعبر عن دعمها لشارون, وبفاعلية تكفي لتفتيت إصرار الجناح اليميني على تنفيذ خطته.

إن الأغلبية العددية تشكل قطاعاً أقل تلاحماً وأقل كثافة من الأقلية المعارضة.  وذلك فعلي بوجه خاص على ضوء حقيقة أنه حتى بين الأغلبية التي تدعم الفصل عن الفلسطينيين ثمة تردد وتساؤل حول الحكمة من فصل أحادي الجانب بدون فلسطينيين غير ملتزمين بأية إجراءات متبادلة.

 

خلاصة القول: فإن البيئة الاستراتيجية لإسرائيل تسمح اليوم أكثر من أي وقت مضى – بالانفصال عن المناطق التي تعيش فيها التجمعات السكانية الفلسطينية في يهودا والسامرة وقطاع غزة.

خطوة كهذه سوف تحافظ على صورة إسرائيل كدولة ديموقراطية يهودية وترفع مستوى السلامة الشخصية لمواطنيها.

على كل حال ليس من الواضح تماماً ما إذا كانت القيادة السياسية الإسرائيلية سوف تمسك بهذه الفرصة التي أمامها, وإذا ما فشلت هذه القيادة وتبددت هذه الفرصة المتاحة لها بفعل الظروف الدولية والإقليمية الحالية فسوف يكون ذلك مصدر ندم دائماً له عواقب بعيدة المدى.